|
|
|
الرئيسية >> كتب بنكهات متنوعة... >> التفسير الكبير للرازي
|
|||||
|
التفسير الكبير المسمى أيضا بـ (مفاتيح الغيب) للإمام الفخر الرازي 606 هـ
مقدمة عامة و حمزة يوسف
الرازي يصنف على أنه تفسير بالرأي... و
لكنه تفسير شامل جدا... فيه كل شيء مع التفسير... فهو يذكر التفاسير
المأثورة لآية ما عن الصحابة و التابعين، و أيضا يذكر الخلافات اللغوية و
القراءات و كيف تؤثر على المعنى، و أيضا يذكر خيارات الفقهاء لكل فريق و
كيف استدل كل فريق... مع ميله للشافعية كونه فقيه شافعي، كما يذكر القواعد
الأصولية المستنبطة بما أنه أصولي شافعي.... كما يذكر اللفتات الروحية و
بعض الذوقيات و المواجيد و خطرات القلب و بعض اللمحات الفكرية التي
يستنبطها من الآيات... و بما أنه أشعري المذهب معني
بالنقاشات الكلامية، و أمضى شطرا من عمره ينظر في الفلسفة حتى تركها، فإن
ما يميز تفسيره أنه بمثابة موسوعة مؤرخة
للتيارات الفكرية التي كانت في عصره، فهو يذكر آراء الفرق
التي انتشرت في زمانه الجهمية
و المجسمة و الحكماء
أي اليونان و بعض المشتغلين بالفلسفة كأبي بكر الرازي و على رأس الجميع و
أهمهم خصومه اللدودين المعتزلة بحيث لا تخلو آية تقريبا إلا و يعرج على رأي
المعتزلة و يفنده بما أن الرازي من الأشاعرة المتأخرين، و الحقيقة أن الفخر الرازي ذا نفس طويل و قلب متسع و من
النادر أن يحقر رأيا أو يستهزئ به، اللهم أحيانا إن كان
قد رفع له أحد ضغطه على ما يبدو... و في كثير من الأحيان قد يكتفي بعرض آراء الفرق
المتلاطمة التي كانت سائدة في عصره من دون حتى تفنيدها...
و يبدو أنه كان حليما... و من الطريف أنه قد يذكر بعض المعلومات
الطبيعية و الفلكية و الفيزيائة التي كانت على زمانه... حين تكون آية تتعلق
بالموضوع... الكتاب موسوعة فكرية للقرن السادس الهجري
فعلا...
الكتاب صعب في بعض جوانبه و خاصة في ردوده الكلامية، و هو ليس لمبتدئ، و في البداية وجدت مشقة في عبارته و لكني شيئا فشيئا ألفتها حتى أحببتها... كما أن الطبعة المتوفرة سيئة الإخراج لشبه اختفاء علامات الترقيم أو الترتيب أو أي شيء له علاقة بالتنظيم... و جدير بالذكر هنا ذكر فضل الكتاب الالكتروني، إذ لولاه لما استطعت أن أكمل القراءة في التفسير بعد أن سافرت و تركت النسخة الورقية التي عليها بعض ملاحظاتي، بل لم آخذ معي أي كتاب ورقي، اللهم فقط إلا ما خف حمله و غلا بقيمته و أعني كتابي الالكتروني و مكتبتي الالكترونية... فالحمد لله على نعمة الكتاب الالكتروني... فهو صديقنا الصدوق في حلنا و ترحالنا... أدامه الله علينا...
ما الذي دفعني للدخول في مشروع قراءته؟ و هكذا ابتدأت به في 6 نيسان 2006... و الله وحده العالم إن كان في العمر ما يكفي للانتهاء منه...
أتساءل فقط،
إلى أي جزء وصل حمزة يوسف يا ترى؟ أتمنى أن أكون سبقته
هذه مقدمة عامة، عدلتها بعد وصولي للجزء 12، و هي قابلة للتجديد كلما تعمقت أكثر في الأجزاء...
·······
-
الاشتقاق الأكبر... في الجزء الأول - كانت المسألة التي ذكرها حمزة يوسف و حسمتني لأن أقرأ فيه هي مسألة الاشتقاق الأكبر الواردة في الجزء الأول... و هي من المسائل الممتعة جدا في اللغة بنظري: "و أما الاشتقاق الأكبر فهو أن الكلمة إذا كانت مركبة من الحروف كانت قابلة للانقلابات لا محالة، فنقول: أول مراتب هذا التركيب أن تكون الكلمة مركبة من حرفين ومثل هذه الكلمة لا تقبل إلا نوعين من التقليب، كقولنا: " من " وقلبه " نم " وبعد هذه المرتبة أن تكون الكلمة مركبة من ثلاثة أحرف كقولنا: " حمد " وهذه الكلمة تقبل ستة أنواع من التقليبات" مثلا: "أن تركيب الكاف واللام والميم بحسب تقاليبها الممكنة الستة تفيد القوة والشدة، خمسة منها معتبرة، وواحد ضائع، فالأول: (ك ل م) فمنه الكلام: لأنه يقرع السمع ويؤثر فيه، وأيضا يؤثر في الذهن بواسطة إفادة المعنى، ومنه الكلم للجرح، وفيه شدة، والكلام ما غلظ من الأرض، وذلك لشدته ، الثاني: (ك م ل) لأن الكامل أقوى من الناقص، والثالث: (ل ك م) ومعنى الشدة في اللكم ظاهر، والرابع: (م ك ل) ومنه (بئر مكول) إذا قل ماؤها، وإذا كان كذلك كان ورودها مكروها فيحصل نوع شدة عند ورودها، الخامس: (م ل ك) يقال: (ملكت العجين) إذا أمعنت عجنه فاشتد وقوي، ومنه (ملك الإنسان) لأنه نوع قدرة، و (أملكت الجارية) لأن بعلها يقدر عليها." و جمال التفكير بهذا الاشتقاق، هو إدخال شيء من المنطق على اللغة، بحيث و كأن هناك ترابط بين الحروف و الكلمات و بين المعنى الذي تستخدم له و ليست مجرد أصوات اعتباطية اصطلح عليها... و جدير بالذكر هنا أني قرأت دراسة حول علم الدلالة عند العرب: الرازي نموذجا تتحدث عن الموضوع باستفاضة أكثر... قرئ في 2007 ·······
-
الجزء الثاني
في آذار 2008 ·······
-
القوة النفسانية... في الجزء الثالث
ما زلت مبحرة مع الفخر الرازي في تفسيره و تأملاته و معلوماته و تأويلاته... كم كانت الكتابة تبدو سلسلة في تلك الفترة و خالية من التعقيد و القوانين البحثية الجامدة... المميز في الكتب القديمة أنهم كانوا يتحدثون في كل شيء و يستطردون بلا حد...
في هذا الجزء وردت الفقرة التالية تحت آية و اتبعوا ما تتلوا الشياطين: "النفس إذا كانت مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماء كانت كأنها روح من الأرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم أما إذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه الذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا في هذا البدن، فإذا أراد هذا الإنسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثير من بدنها إلى بدن آخر اتخذ تمثال ذلك الغير و وضعه عند الحس و اشتغل الحس به فيتبعه الخيال عليه و أقبلت النفس الناطقة عليه فقويت التأثيرات النفسانية و التصرفات الروحانية، و لذلك أجمعت الأمم على أنه لا بد لمزاولة هذه الأعمال من انقطاع المألوفات و المشتهيات و تقليل الغذاء و الانقطاع عن مخالطة الخلق"
كثيرون يتحدثون عن هذه الأمور هذه الأيام... و استدعاء الآخر و الإيحاء له... يبدو أنها أمور معهودة منذ القدم...
حاولت تطبيقها بكل
طاقاتي العجيبة و الأمورة و لكن لا أدري إن أصابت أو أني كنت متوهمة
لكن يبدو أن من قررت
تجريب قدراتي عليهم متبلدي الإحساس... في 2008 ······· - الله محبوب و معبود لذاته... في الجزء الرابع البقرة من 110 إلى 167
- تحت آية الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون
ذكر قولا لابن مسعود: "لأن أَخرّ من السماء
أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله تعالى: ليته لم يكن"
- تحت قوله تعالى: إن في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار...
قد خصص صفحات كثيرة للحديث عن الأفلاك و الكواكب _التي لم أفهم منها شيئا
صراحة، فهي مكتوبة بلغة علم الفلك القديمة مثل "أن
الراصدين للميل الأعظم وجدوه مختلف المقدار ، وكل من كان رصده أقدم كان وجد
أن الميل الأعظم أعظم ؛ فإن بطليموس وجده ( كج نا ) ثم وجد في زمان المأمون
( كج له ) ثم وجد بعد المأمون وقد تناقص بدقيقة"
هل فهمتم شيئا؟ من اللطيف قراءة المعلومات العلمية _التي يبدو بعضها غريبا و ربما طريفا_ كيف كانت في تلك الفترة...
- ورد قوله في آية و الذين آمنوا أشد حبا لله... "الذين حملوا محبة الله تعالى على محبة طاعته، أو على محبة ثوابه فهؤلاء هم الذين عرفوا أن اللذة محبوبة لذاتها و لم يعرفوا أن الكمال محبوب لذاته، أما العارفون الذين قالوا: إنه تعالى محبوب في ذاته و لذاته فهم الذين انكشف لهم أن الكمال محبوب لذاته... العبد لا سبيل له إلى الاطلاع على الله سبحانه ابتداء، بل ما لم ينظر في مملوكاته لا يمكنه الوصول إلى ذلك المقام، فلا جرم كل من كان اطلاعه على دقائق حكمة الله و قدرته في المخلوقات أتم، كان علمه بكماله أتم فكان له حبه أتم..." حين قرأت العبارات شعرت بسعادة من عمق قلبي... إذ لأجل الصدفة كنت كتبت كلاما مشابها ردا على موضوع قبل عدة أيام... كنت كتبت حينها:
هذا التقارب معه أسعدني بشدة...
- تحت آية: و لو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب... ذكر تساؤلا عن الجمع بين (يرى) و هو مستقبل مع قوله (إذ) التي هي للماضي؟ و أجاب بأنه لقربه فجرى مجرى كأنه وقع و حصل... لكن تساؤله ذلك ذكرني بكلام جميل لـ جيفري لانغ في كتابه ضياع ديني عن كيفية حديث القرآن عن الآخرة و عن الإله بأنه تارة يأتي بالماضي و تارة بالمستقبل و تارة بالحاضر... هذا يشير إلى عدم الزمن... فما يتحدث عنه القرآن خارج عن الزمن و لذلك أتى التعبير القرآني بهذه الطريقة... في أحيان أحس بدماغي يكاد يتمزّع و هو يحاول تصور كيف يكون الزمن متوهم... الأمر متعذر... و هنا و حتى أهون الأمر عليه أحاول أن أشبه الأمر بمثال و أفكر لو أن شخصية روائية تتساءل ضمن الرواية عن كيف يعقل لشيء أن يكون خارج قوانين الرواية و مسلماتها، أفلا يصبح تصور الوهم أسهل حينها؟ في تشرين الثاني 2009 ·······
-
الجزء الخامس
·······
-
الجزء السادس
·······
- البعد اللانهائي و اللاشيء لاشيء و المرأة... في الجزء السابع
من البقرة 255 - إلى آل عمران 25
- حديث الرازي عن البعد اللانهائي: هذا البعد كنت أفكر به منذ مدة و ها أنا أجده هنا يفنده، و قد
شعرت بدوار في رأسي _كالعادة_ و أنا أقرأ نقاشه لصعوبته، وجدته ممتعا و
لكني لست متأكدة هل فهمته بشكل صحيح أم لا:
"القول بإثبات بعد لا نهاية له باطل بالبراهين اليقينية، و أيضاً
فإنا إذا قدرنا بعداً لا نهاية له، لافترض في ذلك البعد نقط غير متناهية،
فلا يخلو إما أن يحصل في تلك النقط نقطة واحدة لا يفترض فوقها نقطة أخرى، و
إما أن لا يحصل، فإن كان الأول كانت النقطة طرفاً لذلك البعد، فيكون ذلك
البعد متناهياً، و قد فرضناه غير متناه. هذا خلف. و إن لم يوجد فيها نقطة
إلا و فوقها نقطة أخرى كان كل واحدة من تلك النقط المفترضة في ذلك البعد
سفلاً، ولا يكون فيها ما يكون فوقاً على الاطلاق، فحينئذ لا يكون لشيء من
النقاط المفترضة في ذلك البعد علو مطلق ألبتة وذلك ينفي صفة العلوية." و بدل أن يناقش هذه العبارة، و هل هي علة يدور معها الحكم وجودا و عدما أو أنها علة غير معتبرة أصلا و ذكر أسباب عدم اعتبارها، و كل تلك النقاشات التي يمكن أن تثيره هذه العبارة، إلا أنه كان قوله هذا المخيب للأمل...
و بشكل عام و رغم حبي للرازي و ذكائه، إلا أنه لا يمكن أخذ الكثير من كلامه
المرأة... فهو يتحدث بلغة و ثقافة عصره، و بات من الواضح لي أن موضوع
المرأة لم يكن مثار جدال على الساحة الفكرية بين مختلف التيارات على اختلاف
أطيافها و من أقصاها لأقصاها، إطلاقا، و لا حتى النساء أنفسهن كن يفكرن
بغير السائد حينها... لكن ما يجعلني أحترمه هو اعتذاره المستمر بقصوره
البشري، فقد أنهى قوله هذا بعبارة
"هذا ما خطر ببالي من الجواب على هذا السؤال وقت كتبه في هذا الموضع و
للنحويين أجوبة أخرى ما استحسنتها و الكتب مشتملة عليها، و الله أعلم"
فدعونا لا نحمله أكثر مما يطيق و نحاسبه بما لا وسع له بأن لم يخطر له سوى
هذا، فهو لن يستطيع _رغم عبقريته_ الخروج عن ثقافة عصره و المسائل المطروحة
فيه...
بات علي أن
أبحث عن
علكة دماغية أخرى لأهرب معها من
الواقع...
- و أخيرا و بعد سنوات أنهيت سورة البقرة في تاريخ 24-1-2012 و لله الحمد. في كانون الأول 2012 ·······
- الجزء الثامن من آل عمران 26 - إلى آل عمران 129 في آب 2013
·······
- الإمام الرازي و أنا في الجزء التاسع
من آل عمران 130 -
إلى النساء 16
فكثرة خوضه رحمه الله في القضايا الكلامية مع المعتزلة
جعلته يدخل في مسائل غريبة عجيبة...و أود لو أقول له في بعض الأماكن، أن
حنانيك، لا ترهق خلايا دماغك في تصور مشكلة كلامية ثم توهم إيجاد جواب يجعل
الإشكالات تتقافز منها مضاعفة، و جوابك يمكن تفنيده ثم تفنيد تفنيده فتفنيد
تفنيد تفنيده و هكذا إلى المالانهاية...
بعض الاقتباسات التي استوقفتني:
و حتى لا تميل الكفة في ذكري لما تقدم نحو جانب واحد، و يظن من لم يتابع حديثي سابقا أن المسائل الكلامية هي فقط ما يحتويه التفسير... فأذكر أن التفسير شامل و قيم، فهو يهتم كثيرا بالمسائل اللغوية و القراءات و أقوال الصحابة و التابعين و اختيارات الفقهاء و كيفية استدلال كل فريق من النصوص و المسائل الأصولية و بعض المعلومات الجانبية العلمية و أيضا الكثير من التزكية و الإشراقات الروحية و اللفتات الفكرية و الدقائق التي لا يراها إلا عارف...
في حزيران 2013
·······
-
الجزء العاشر في كانون الأول 2013
·······
-
الجزء الحادي عشر في نيسان 2014
·······
-
هل الإحسان بلا غرض ممكن... في الجزء الثاني عشر
الكثير من لفتات الرازي العميقة
التي ذكرها في هذا الجزء استوقفتني... من بينها
في تموز 2014 ·······
-
الجزء الثالث عشر في أيلول 2014
·······
-
الجزء الرابع عشر في شباط 2015
·······
-
عن الذكر و الحب و الماهية الإنسانية في ج15 أنتقي ثلاث مسائل جميلة... - عن تأثير الذكر: يقول عند قوله تعالى: و اذكر ربك في نفسك تضرعا و خيفة و دون الجهر من القول بالغدو و الآصال و لا تكن من الغافلين.
[ بين الروح وبين البدن علاقة عجيبة ، لأن كل أثر حصل في جوهر الروح نزل منه أثر إلى البدن ، وكل حالة حصلت في البدن صعدت منها نتائج إلى الروح ، ألا ترى أن الإنسان إذا تخيل الشيء الحامض ضرس سنه ، وإذا تخيل حالة مكروهة وغضب سخن بدنه ، فهذه آثار تنزل من الروح إلى البدن، وأيضاً إذا واظب الإنسان على عمل من الأعمال وكرر مرات وكرات حصلت ملكة قوية راسخة في جوهر النفس فهذه آثار صعدت من البدن إلى النفس. إذا عرفت هذا فنقول: إذا حضر الذكر اللساني بحيث يسمع نفسه، حصل أثر من ذلك الذكر اللساني في الخيال ، ثم يصعد من ذلك الأثر الخيالي مزيد أنوار وجلايا إلى جوهر الروح، ثم تنعكس من تلك الإشراقات الروحانية آثار زائدة إلى اللسان ومنه إلى الخيال، ثم مرة أخرى إلى العقل، ولا يزال تنعكس هذه الأنوار من هذه المرايا بعضها إلى بعض، ويتقوى بعضها ببعض ويستكمل بعضها ببعض، ولما كان لا نهاية لتزايد أنوار المراتب، لا جرم لا نهاية لسفر العارفين في هذه المقامات العالية القدسية وذلك بحر لا ساحل له، ومطلوب لا نهاية له. ] ص 114
- لماذا يخفت حب و يبقى آخر؟ يذكر الرازي كلاما لطيفا: المحبة لا تحصل إلا عند تصور حصول خير وكمال ، فالمحبة حالة معللة بهذا التصور المخصوص ، فمتى كان هذا التصور حاصلاً كانت المحبة حاصلة ، ومتى حصل تصوير الشر والبغضاء : كانت النفرة حاصلة ، ثم إن الخيرات والكمالات على قسمين : أحدهما : الخيرات والكمالات الباقية الدائمة ، المبرأة عن جهات التغيير والتبديل ، وذلك هو الكمالات الروحانية والسعادات الإلهية . والثاني : وهو الكمالات المتبدلة المتغيرة ، وهي الكمالات الجسمانية والسعادات البدنية ، فإنها سريعة التغيير والتبدل ، كالزئبق ينتقل من حال إلى حال ، فالإنسان يتصور أن له في صحبة زيد مالاً عظيماً فيحبه ، ثم يخطر بباله أن ذلك المال لا يحصل فيبغضه ، ولذلك قيل إن العاشق والمعشوق ربما حصلت الرغبة والنفرة بينهما في اليوم الواحد مراراً لأن المعشوق إنما يريد العاشق لماله ، والعاشق إنما يريد المعشوق لأجل اللذة الجسمانية ، وهذان الأمران مستعدان للتغير والانتقال ، فلا جرم كانت المحبة الحاصلة بينهما والعداوة الحاصلة بينهما غير باقيتين بل كانتا سريعتي لزوال والانتقال . إذا عرفت هذا فنقول : الموجب للمحبة والمودة ، إن كان طلب الخيرات الدنيوية والسعادات الجسمانية كانت تلك المحبة سريعة الزوال والانتقال ، لأجل أن المحبة تابعة لتصور الكمال ، وتصور الكمال تابع لحصول ذلك الكمال ، فإذا كان ذلك الكمال سريع الزوال والانتقال ، كانت معلولاته سريعة التبدل والزوال ، وأما إن كان الموجب للمحبة تصور الكمالات الباقية المقدسة عن التغير والزوال ، كانت تلك المحبة أيضاً باقية آمنة من التغير ، لأن حال المعلول في البقاء والتبدل تبع لحالة العلة ، وهذا هو المراد من قوله تعالى : { الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين }
و هكذا إن أردت حبا يبقى، فأحب لما هو باق... - المسألة الأخيرة اللطيفة، هي عن الماهية الإنسانية، ما الذي يجعل الإنسان إنسانا؟ فرأى الإمام الرازي أن الإنسان إنما كان إنسانا بجوهر نفسه الناطقة... الفكرة جعلتني أفكر كثيرا، فأين تقبع هذه الخاصية، في الدماغ أو في الكيان كله من دون تحديد أو أنها خاصية بالقوة حتى لو لم توجد بالفعل؟ ثم ما الذي يميز ذاتا ما عن ذوات الآخرين، فمثلا ما الذي يجعلني سلمى و لست ألمى أو سلوى؟ و لن أصدع رؤوسكم بذكر النتائج السلماوية... لكن ما أود قوله أنها جعلتني أفكر كثيرا... و لحسن الحظ فقد تصادف قراءتي لمبحث في كتاب الحكمة العربية لـ محمد الشيخ عن خلاف حكماء الإسلام حول ما الذي يجعل الإنسان إنسانا: فبعضهم ذهب لما ذهب إليه الرازي، و بعضهم قال بأنها الروح، و ثالث أنها الروح و الجسد معا، و رابع أنها النفس، و آخرون قالوا أنها الأخلاق فالإنسان سمي إنسانا للاستئناس به، وأنه إن فقد خـُلـُقه فقد نسخ صورته الإنسانية إلى شيطانية، و آراء أخرى... لكن أغرب تعريفين عن الخاصية الإنسانية، أحدهما ما قاله بعضهم أن أخص ما يميز الإنسان هو حمقه... و يبدو أن من ذهبوا إليها كانوا مبتلين بمعايشة الحمقى... أعاذنا الله الحمق و الحمقى...
أما الآخر
فما
ذهب إليه بعضهم بأن الإنسان لا يكون إنسانا
إلا بسمة التناهي أي الموت:
(الموت إنما هو من تمام طباعنا: فإن لم
يكن موت لم يكن إنسان البتة، لأن حد الإنسان هو الحي الناطق المائت، و الحد
مبني على الطبع؛ أعني أن طبع الإنسان أنه حي ناطق مائت. فإن لم يكن موت، لم
يكن إنسان، لأنه إن لم يكن ميتا فليس بإنسان)
ص 69
في تشرين الأول 2015
·······
سلمى
|
· الله محبوب و معبود لذاته في ج4 · ج5 · ج6 · البعد اللانهائي واللاشيء لاشيء والمرأة في ج7 · ج8 · ج10 · ج11 · هل الإحسان بلا غرض ممكن في ج12 · ج13 · ج14 |
||||
|
|
|||||
|
|