الرئيسية >> كتب بنكهات متنوعة... >>  اللوح الأزرق

 

 

اللوح الأزرق

لـ جيلبرت سينويه

 

اللوح الأزرق    جيلبرت سينويه

 

يا لها من رواية و يا لها من رحلة... في الأندلس زمن محاكم التفتيش، تصادف أن اجتمع ثلاثة علماء من الديانات السماوية الثلاثة؛ عزرا الحبر اليهودي المسن، و ابن سراج الشيخ المسلم الكهل، و رفائيل الراهب المسيحي الشاب، في رحلة للبحث عن رق مقدس هو (اللوح الأزرق) فيه الجواب النهائي اليقيني عن الحقيقة المطلقة... جمعهم لهذه المهمة صديقهم المشترك ابن برول قبل أن يحترق بنيران محاكم التفتيش بتهمة الهرطقة... تاركا لهم خريطة من الألغاز قائمة على دلالات مستمدة من الديانات الثلاثة... و هكذا راحوا يخوضون غمار تلك المغامرة المعرفية المشوقة المحفوفة بالمخاطر و المفاجآت قاطعين أراضي اسبانيا طولا و عرضا و هم يتبادلون المعلومات لفك الشيفرة من خلال علوم كل منهم بدينه... و القارئ يركض وراءهم محبوس الأنفاس ليلحقهم...
الرواية مشوقة لأبعد حد، بحيث لا تستطيع افلاتها بمجرد امساكك بها، ففي كل ركن مفاجأة و معلومة جديدة... فضلا عن جو الاحترام و الحب الذي لف الرواية و شخوصها رغم خلافاتهم و عنادهم و مشاكساتهم فيما بينهم... هذا الجو الذي بدا لي ينبع ممن يربض وراءهم و يحركهم ألا و هو الراوي سينويه...
من النادر أن يقرأ المرء رواية غربية تجمع ثلاثة علماء من ديانات مختلفة تشعرك بمثل هذه الراحة و الروح الطيبة من دون ذاك التحامل البغيض و النظرة الاستشراقية المحقرّة... بحيث حتى لو أنك لم تتفق مع سينويه تماما في رؤياه للأمور إلا أنك لا تستطيع إلا أن تكن الإعجاب لتلك الروح التي كتب بها... في البداية لم يكن تآلف الثلاثة مع بعضهم سهلا و عدم الثقة هو المسيطر عليهم، و لا كان تآلفي مع المؤلف سهلا، إذ كنت متشككة مثلهم بأن المؤلف لا بد و آت بما يلمز به و يغمز كعادة الكتـّاب في هذه المواضيع، _و هنا تحضرني رواية الطبيب لغوردن التي كانت نموذجا صارخا للسخرية و الاحتقار حين توليف مثل هذا الاجتماع الثلاثي_... و لكن مع تصاعد الرواية تصاعدت معه روح الثقة و الأخوة و التفاهم بين الثلاثة و تصاعدت معه ثقتي باختلاف المؤلف عن أمثاله...

بدت لي فكرة وجود مثل هذا اللوح مدغدغة لكل محب للمعرفة... إذ ماذا لو وجد بين ظهرانينا كتاب يشبع نهمة أي سؤال و يرضيها للحد الذي لا يلوح أي سؤال بعده... و لكن أولو وجد شيء كهذا و انتفت الحاجة للسؤال أفلن ينتفي حينها المعنى من إعمال العقل و بذل الجهد و الاجتهاد في سبيل الوصول للحقيقة و الجواب... ألن ينتفي المعنى من التعلم و سيركن الناس إليه و لن يبذلوا الجهد في هذه الحياة الدنيا... و بالتالي لن يتطوروا في أثناء البحث... أليس كذلك؟ ثم ألن تكون الحياة حينها مملة و خالية من الإثارة و التشويق و بلا طعم؟! أقول ربما...

على كل طوال قراءتي للرواية كان يتردد في ذهني جزئين من آيتين: (و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالوان مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم) هود 118-119... و قوله أيضا: (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) البقرة 113
باختصار، الرواية تستحق القراءة... مشوقة و روحها طيبة... و سينويه يملك موهبة القص... و الترجمة جميلة و متقنة...

--

اللوح الأزرق Le Livre de saphir

لمؤلفها الفرنسي: جيلبرت سينويه  Gilbert Sinoué

ترجمة: آدم فتحي

دار الجمل

 

سلمى الهلالي

نيسان 2012

 

 

 

 

 

 

 

 

CopyRight & Designed By Salma Al-Helali