في السعي نحو اللغة تعزيا!

أقرأ في كتاب عجيب عن اللغة، كلما دخلته أصابتني حالة من الوجوم وكأن سحرا ألقي علي… لا أدري ماهية هذا الكتاب ولا ما الذي يريد الإخبار به ولا الذي يفعله بي، فليس هو بالبحث الذي يخبرك بأمر ذي بال يزيد فهمك للغة، ولا هو برواية متخيلة تعيش أحداثها ولا بالمقالة الأدبية التي تثير الوجدان، هو شيء شبيه بالشعر ولا شعر، إذ ليس فيه من خصائص الشعر شيء، وكأنه عرض لحلم… حلم الإنسان في أن يمسك ماهية اللغة عبر التاريخ… تأريخ لحلم يجعلك تحلم… وها هي عشرة تجليات:

1- لعنوانه لمسة من جلال جعلتني أتوقف طويلا قبل الولوج لعالمه، (لغات الفردوس) هو اسمه الذي رافقني لسنوات وأنا أتخيل عما يمكن أن يكون فيه… كنت اقتنيت نسخة منه حين كنت في دمشق قبل حوالي أكثر من 15 سنة، وتركته حين سافرت وما فتحته… ما وددت قراءة نسخة إلكترونية منه ولا شراء نسخة أخرى، ممنية نفسي أن كتابا بهذا العنوان لا يستحق إلا أن أقرأه ورقيا في مكانه في دمشق حيث تركته، ومضت السنوات وكلما شاهدته في المعرض فكرت في ذلك الحلم المؤجل، حتى قررت العام الماضي أن أوقف هذه الحالة من الاشتهاء  وأقتنيه وأقرأه… فحصل النصر بعدها بشهر وعادت دمشق، وإن لم أعد إليها بعد، لكني فتحت الكتاب… ودخلت الحلم…

2- في مرحلة الشباب الأولي حيث الجميع يملك أحلاما، كنت أنا في حيرة شديدة من أمري، إذ لم أكن أعلم ما أريد أو ما أفعل بحياتي، فليست لدي طموحات أكاديمية أو وظيفية، ولا تعنيني الأمومة، ولا أستسيغ الأعمال اليدوية، ولا أحب حياة التبطل واللهو وملاحقة الحفلات والملابس والتزين، ولست بالتي تتسلى بالحضور الاجتماعي، كانت كثرة تفكيري وغرابة أطواري تزعجني، إذ أريد الكثير من المعاني التي لا أملك كلمات لها… حتى وقعت على قصيدة لهرمان هسه يصف فيها مكتبة عجائبية دخلها عند الغروب، أول كتاب أمسكه فيها كان عن تربيع الدائرة، والآخر عن صلة المعاني بالألوان والأنغام، أما الثالث فكيف أكل آدم عليه السلام من الشجرة، ليكتشف أن تلك كانت مكتبة الفردوس: (كل الأسئلة التي ألحت علي، و كل ضروب الظمأ التي حرقتني، لها هنا جواب، و كل جوع له خبز من الفكر محفوظ هنا. لأنني كلما سألت مجلدا بنظرة سريعة، وجدت لكل مجلد عنوانا مكتوبا ينبئ بالكثير. كان لكل حاجة هنا شفاء …. كان هناك المعنى، المعنى الأعمق الأصفى، لكل حكمة، و شعر و علم).
شعرت حينها أني وجدت ضالتي، وبصدق ممزوج بسذاجة، سألت إحدى الأستاذات وأنا أبكي أين يمكن أن أجد مثل هذه المعاني أو أحيا مثل هذه الحياة التي تخبرنا بها القصيدة… نسيت بم أجابتني، لا يبدو أنه كان جوابا ذا شأن… بيد أن وفاء وكانت هي زميلتي في الصف قالت لي حينها لما رأت حيرتي مرة: (واتقوا الله ويعلمكم الله)، فكان أن رسخت كلماتها في رأسي، وكانت بداية صحبة طويلة بيننا لا فرقنا الله أبدا… ومع الأيام اكتشفت بنفسي أن الحياة التي في القصيدة هي حياة طالب العلم الذي لا يشبع، هذا العلم الذي علمه الله الإنسان عبر اللغة، ليدفعه إليه ويعرفه بجلاله… وإن كان ما في علم هذه الدنيا ممزوجا بكدرها، إلا أنه خبأ له في دار الخلود التمام المصفى حين يلقاه في الآخرة مشتاقا إليه… وفضل الله أن جعل لنا في القليل من أسرار اللغة التي علمناها تصبرا حتى نلقاه… ربما لم يسهل هذا الإدراك لمطلوبي من وطأة غرابة أطواري على مجريات حياتي، لكني وجدت عزاء كبيرا في سعيي نحو اللغة كلغة…

3- في يوم موحش من أيام آب اللهاب عام 2012 وقعت مجزرة داريا وهي ضاحية على أطراف دمشق والتي راح ضحيتها أكثر من 700 شخص، كانت أصوات الرشاشات تسد أفق دمشق برمتها وتخلع قلوب الجميع وتعصرهم أسى وعجزا، ففتحت لأتعزى كتاب (لسان آدم) لعبد الفتاح كيليطو، وكان يقطر جمالا… ويا للأسف! كيليطو بأسلوبه المحبب المشاكس كان ينقب التراث كعادته بحثا عن فلتات اللغة وطريف الأدب مطعما إياها بملحوظاته الماكرة الممررة بخفة الدم؛ ما اللغة التي تحدث بها آدم؟ هل حقا نظم شعرا؟ فما كان هو؟ وكيف اختلفت الألسنة من بعده؟ وهكذا مضى بأسلوبه الآسر حتى أصابني انفلاع شعوري، إذ ما كان معنى أن أشعر بكل هذا الجمال الحالم باللغة في واقع قميء مؤذ؟ ما معنى الألوان في الليالي المظلمة؟ لا هي تلون الواقع ولا هي تخفف من ظلمته، ربما كل ما تعطيه بعض حلم وتحليق لوهلة كلما انعكس عليها ضوء شحيح، لكن ما الجدوى من هذا… لم أدر ما ذاك الشعور الذي انتابني حينها، ولم أدر أتعزيت أم أسيت أكثر… بيد أني قبضت على نفسي فيما بعد أني بت أتجنب القراءة لكيليطو ولأي كتاب فيه كل هذه العذوبة عن اللغة… ومع مرور السنين صرت أجبر نفسي على أمثاله بين فترة وأخرى، حفاظا على شيء من السواء النفسي… لكن بقي كتاب لغات الفردوس قصيا عن محاولاتي، لأني تركته هناك مع دمشق بكل حمولاتها…

4- في محاضرة للأستاذ محمد محمد يونس علي بعنوان (من النص إلى الخطاب: كيف نقول ما لا نقول)، ذكر لنا آلية معقدة لكيف يتحول النص إلى خطاب، وكيف يعبر المرء في جمله عما لم يذكره فيها وكيف يفهم ذلك المخاطب عبر السياق بما يحمله من قرائن، فمثلا قولة مثل الجو بارد، يمكن أن يراد بها قصود مختلفة حسب السياق الذي وردت فيه، مع أنها كنص هي شيء واحد… أخذت أفكر، أن هذه الآلية على كل تعقيداتها، يمكن لأي إنسي بالحد الأدنى من الوعي أن يمارسها ويعبر بها دون أن يدرك مدى عمقها وتشابكها… لا ينتبه الإنسان كيف أن هذه اللغة التي يعتبرها من استحقاقاته حتى باتت لامرئية لديه أنها آية من آيات الله قد علمه إياها من دون أن يعلم كيف تعلمها، ولو أراد التفكر فيها كلما أراد إنشاء جملة بالحد الأدنى لتصدع صداع فلاسفة اللغة وتحير حيرتهم وربما فقد لسانه ولزمه الصمت…

5- قبل ثلاث سنوات وفي لحظة كنت فيها في قمة العافية والنشاط، مع ملاحقة الأكل الصحي والرياضة والمكملات الغذائية وكل هذا الهراء، قررت مكافأة نفسي بذلك الكتاب الذي بقيت مدة أتأمل غلافه التجريدي الملون وعنوانه العذب (أنساق التأويل؛ البحث عن الذات الإلهية وراء حجاب اللغة) لنارت قاخون، فبدأت به، لأصاب فجأة بالكورونا، وأهبط من قمة العافية إلى ثقب أسود سحب مني كل شيء يتوهمه المعافى مسلمة، وتفككت فيه كل الأسباب عن آثارها وأصبحت هي والعدم سيان، وجرعني طعم الاحتضار، لأسابيع وأشهر إلى أن ما عدت أحسب… حتى حدة الذهن التي كنت أوتيتها انتزعت مني، وجلل دماغي غلالة من فراغ عجيب… فبت طريحة الفراش، وتوقفت عن كل شيء بما فيها القراءة لعجزي عن الفهم… تبلد ذهني في حينها، وما عدت قادرة على استحضار ما كنت قرأته ودرسته وتعلمته ليصبرني، واهتزت معها نظرتي المطمئنة عن الحياة ودفاعاتي التي بنيتها تجاه الشيطان وتقنيطه، أين كل تلك الكلمات والأفكار والمعاني؟ لا شيء… ما بقي في ذهني حينها أستحضره وأردده إلا الآيات التي رأيتها في رؤى قبل مرضي، وما ترسله لي صديقتي العزيزة وفاء كل يوم من أدعية وحكم مثبتة… ومن فضل الله الذي ينزل البلاء مع ما يخفف به، أن كانت تتمثل في ذهني بعض الآيات بين فينة وأخرى بمعانيها لأدركها، من بينها كان قوله تعالى (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) فمن عجيب خلقه إدراكك أنه أقرب إليك من جسدك الذي قد يتحول إلى معتقل انفرادي تسام به سوء العذاب لا فرار لك منه، وأقرب إليك من نفسك التي تطيش وتجزع وما عدت تستطيع الإمساك بها، وأقرب إليك من عقلك الذي تبلد وغادرته اللغة وفقد معها قدرة التركيز ومحادثة نفسك بتعقل… ولم يبق في داخلي إلا جزء أتوسل به إليه من دون قدرة على صياغة الفكرة بتمامها… وفي لحظة تجل، بدا لي طريفا سؤال نفسي وأنا أشهد هذا المشهد السريالي العجيب، أن من أنا تحديدا بين كل هؤلاء التي تشهد كل هذا… قد تقطعت كل خيوطي مع جسدي وعقلي ونفسي إلا ذلك الخيط الذي مده الله إلي… فمن التي انقطعت ومن التي انوصلت ومن التي كانت الشاهدة على الأمرين، وأيها التي سألت والأخرى التي سئلت… الله وحده العالم… ثم تفضل الله علي ورفع عني ذاك الشعور المسموم بطعم الاحتضار وأخذت تعود إلي قوتي وعقلي وعدت لكتاب قاخون واستطعت تذوقه حقيقة وأنهيته، وها أنا أحدثكم عنه… وبإذنه تعالى سيردني إلى ما كنته وزيادة، وما ذلك عليه بعزيز… لكن غادرني ذلك السرف بتقليعات الصحة، فقد شهدت بنفسي قول رسول الله: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس). والعزاء كل العزاء أنك حين لا تدري ما بك وتفقد عالم الأسباب والمعاني، فإنك لا تحتاج إلى وسيلة في التجائك إلى الله ولا حتى إلى اللغة…

6- في يوم من الأيام، شعرت بأني أخيرا عثرت على جواب سؤال ما الكتاب الذي تأخذه معك _غير كتاب الله_ لو حبست في جزيرة وحدك. وقد كنت دائما أسائل نفسي إياه من دون العثورعلى جواب، حتى كان يومها حين قررت أني سآخذ معي تفسير ابن عاشور (التحرير والتنوير) بأجزائه كلها طبعا، إذ أظن أن من سيرموننا بتلك الجزيرة سيكونون من الطيبة ليعتبروها كتابا واحدا، أليس كذلك؟ هذا التفسير له الفضل علي في أن أدرك كيف تعمل اللغة فينا… بأسمى شكل ممكن فيها وهو القرآن الكريم… لم أعهدني قبلا أحب البلاغة أو أفهمها أو أتذوقها، وإذ به يضعني في عمق البلاغة ويشربنيها… يبدو في عرضه مثل بلورة سحرية، تكشف لي عجائب اللغة العربية كلما نظرت إليها من زاوية… انتبهت كيف تؤثر اللغة على العقل وتوسع فكره بزيادة الاحتمالات كلما تقلبت تصاريف الجملة بالتقديمات والتأخيرات والتقديرات واختلاف القراءات… وكأن الجملة العربية أحجية، كل التشكلات فيها ممكنة وكل إمكانية تعطي معنى دقيقا مضافا على المعنى المتحد الأساسي الواضح… فتعليق اسم المجرور بذاك الفعل يعطي معنى إضافيا عن تعليقه بهذا المصدر، واعتبار هذه الكلمة خبرا مقدما يخبر بشيء إضافي عما لو اعتبر مبتدأ، وهكذا يبدو حذف المبتدأ أو التعبير بجملة اسمية أو فعليه على حال أو خبر أو صفة، وتكرار حرف الجر أو تغير اسم المعطوف أو ظهور الضمير بعد إضمار، وكل هذه التعبيرات النحوية، هي في حقيقتها تضفي على المعنى معنى… كيف لمن هي مثلي لا تحب الشعر والأدب عموما أن تستعذب هذا، سئلت عن هذا قبلا، ولا جواب عندي سوى أن الفرق مهول بين القرآن الكريم وبين الشعر والأدب… فكل ما في القرآن مقصود، مبنى ومعنى، كل حرف وتقديم وتأخير فيه يضفي معنى… كلام مكتنز بأعمق معنى وأسلس عبارة وأحكمها… ليس من سرف في تصاوير لا طائل من ورائها ولا هدر للكلمات ولا تفننات لغوية مملة ولا مشاعر جياشة في غير مقامها… إنما الكمال الصرف… إن محاولة فهم القرآن وبذل أقصى الجهد في هذا ترفع فكر الإنسان إليه، ولهذا فإن الذين يحرفون الكلم عن مواضعه كلما واجههم ما لا يهوونه فيه لن يتطوروا أبدا، لأنهم يريدون أن يحجموا القرآن وفق أفهامهم، بدل أن يحاولوا فتح أنفسهم وتجاوز أهوائهم وأفهامهم ليصلوا إليه…
7-  يقول ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير عن قوله تعالى (“وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ”: {سلاماً} مفعول مطلق وقع بَدَلاً من الفعل. والتّقدير سلّمنا سلاماً. و {سلام} المرفوع مصدر مرفوع على الخبر لمبتدأ محذوف، تقديره أمري سلام، أي لكم […] ورفع المصدر أبلغ من نصبه، لأن الرفع فيه تناسي معنى الفعل فهو أدل على الدوام والثبات. ولذلك خالف بينهما للدلالة على أن إبراهيم عليه السلام رد السلام بعبارة أحسن من عبارة الرسل زيادة في الإكرام. قال ابن عطية حيّا الخليل بأحسن ممّا حُيّيَ به، أي نظراً إلى الأدب الإلهي الذي عَلّمَهُ لَنَا في القرآن بقوله {وإذا حيّيتم بتحيةٍ فَحَيّوا بأحسن منها أو رُدُّوها}، فَحكيَ ذلك بأوجز لفظ في العربية أداء لمعنى كلام إبراهيم عليه السلام في الكلدانية). فكرت يا ترى هل قرأ الرسل حيواتهم بأسلوب القرآن الكريم؟ كيف كان يشعر الصحابة ومجريات حياتهم تنزل بأسلوب القرآن؟ أي جلال وجمال ومهابة؟
وفي لحظة تجل أخرى هيء إلي أنه من نعيم الفردوس لو يقرأ واحدنا قصة حياته بأسلوب القرآن الكريم، مع توجيهاته واستطراداته التي تناسب المقام، مترافق هذا باسم الله الذي كان يفترض أن يستحضره واحدنا في هذه اللحظة أو تلك وتنتهي به الآيات عادة… ثم فكرت أنه إن كان هذا الخاطر قد خطر على بالي وعبرت عنه، فأي نعيم بعد لم يخطر على قلب بشر؟ اللهم بلغنا فردوسك الأعلى بكل ما فيه مما تطاله لغتنا ولا تطاله…

8- منذ أن فتحت دمشق، وعقلي مشغول بكليته… أشعر أني أمام مفترق مهيب في حياتي قادم، وكيف لمن حياتها بمثل هذا السكون أن يكون هناك ما هو كذلك يلوح لها، ويا للعجب! كنت أفكر في قراءة كتب أخرى تتصل بالواقع المباشر والنقاشات الدائرة في سوريا الجديدة، ولكن قررت تأجيل هذا، وفكرت أني في وضع يحتاج لكتاب من نوع آخر، كتاب من تلك الكتب التي أشعر بها تسري عني دون أن ترهق تفكيري… وما أفضل من كتاب يحمل عنوانا كـ(لغات الفردوس)؟ وضعته أمامي هنيهة ثم توكلت على الله وبدأت به… وكان أن جذبني إليه وأدخلني بذلك الحلم… وفكرت أنه إن كان الله قد تفضل على الإنسي بسره المسمى اللغة والذي هو جوهر ما اختصه به دونا عن مخلوقاته حين عرض قدرته أمام الملائكة بتعليم آدم الأسماء كلها… وقد مسَكه ناصية البيان من دون أن يدرك ماهيته مهما حاول، فإن أي حلم ولو بدا عجائبيا يبدو أهون عليه وكله عليه هين حقيقة… فلماذا لا أستبشر، كما أخبرتني صديقتي العزيزة وفاء؟ فكل ما حدث إلى الآن عجيب، وما معجزة أخرى بأعجب! بلغنا الله ما نحب بعافية وهناءة…

9- اسم الكتاب كاملا (لغات الفردوس: آريون وساميون؛ ثنائي العناية الإلهية) لموريس أولندر… أقول ولم أنه منه إلا ثلثه فقط… أن مصدر كل ما كتبته ليس نفاسة ما يخبر به من معلومات، فكثير منها أسير البيئة والزمن، إذ هو كتاب يرصد استفهامات وتأملات فلاسفة القرن التاسع عشر الأوربيين وعلماء لغتهم ولاهوتييهم وشعرائهم عن اللغة، فبم تحدث آدم عليه السلام؟ وكيف تغيرت الألسنة من بعده؟ وما صلة اللغة ببعضها وبالأعراق والديانات؟ وما الأفضل بينها؟ لكنه مكتوب بنفس حالم جميل، شيء أشبه بالشعر ولا شعر… هو كتاب يؤرخ لخضوع الأعناق لآية اللغة وتحير العقول بها… لو أردت أن أعبر عن الكتاب بلغته فسأعاود الجملة التي ابتدأت بها في الحديث عنه: وكأنه عرض لحلم… حلم الإنسان في أن يمسك ماهية اللغة عبر التاريخ… هو تأريخ لحلم يجعلك تحلم…

10- منذ ظهرت الستيكرات المتحركة من سنوات كثيرة وأنا أعتبر وكأن لغة جديدة جميلة ولدت… لا أستطيع وصف مقدار عشقي لها، وقد أمضي في أحيان كثيرة محادثاتي مع وفاء أو أخي بتبادلها… ولا يمكن للمرء تجاوز طرافة فكرة أنها هيروغليفية عصرنا الحاضر، فما كان مبتدأ الكتابة كما يدّعى _ولا أحد يدري حقيقة ما كان مبتدأها لكنها دعوى بجملة بقية الأحلام اللغوية_ مصورا، صار بعد أن دار الزمان دورته كرات وكرات ليعود حيث ما ابتدأ، صورا… وحاليا مع المساعد الذكي _كما يحلو له أن يسمي نفسه_ لا أتوقف عن التلذذ بتحويل المعاني والكلمات إلى صور… وإن كان يدهشني أحيانا في تصاويره، لكن يبقى فيها ما هو موحش وأجنبي عني، لا يملك صفاء الكلمات التي في ذهني… وتبقى هي لعبة وقيدا محدودا… إذ لا يمكن لأي تصوير أن يعبر عن براح التجريد الذي ترفعك إليه اللغة…

سلمى
20 شباط 2025