فكرة (5) من أفكار كانون الثاني 2025

تعليقا على كلام سوسن أرى وائل حلاق عنده فوبيا الحداثة، يرى كل شيء ملوثا بها، حتى ما هو طبيعي للأناسي نتيجة لتراكم الخبرات البشرية. أظن والله أعلم أنه حين لا يكون للمرء ميزان إلهي ثابت مثل القرآن لما هو خير وشر، فإن نقده للشر المؤذي يصبح متطرفا مع الوقت ثم مؤذيا ثم شرا لاحقا مما يستلزم نقده وهكذا، وهذا ما حدث مع كثير من النظريات، لأن ميزان الاعتدال يحتاج لأمر يستند إليه الإنسان خارج سياقه، وإلا فإن معياره للخيرية في نقده سيكون هو الضد من كل شيء ينقده بحسنه وسوءه.
ولهذا السبب أيضا يبدو الشر الحداثي لدى حلاق أكثر شرا، مع أن الشر واحد وإن اختلفت الأدوات، والقرآن حين يعلمنا بذكر طغيان الأقوام السابقة فلأن جوهر الطغيان واحد، ولذلك من المفيد ربط التسميات الحديثة بمعان القرآن لأنها تجعل الميزان أكثر اعتدالا في تقييم ما هو خير وما هو شر دون إفراط وتفريط، ومن دون بخس الناس أشياءهم.
على كل من الأمور الطريفة التي أفكر بها، أن النظام البائد قد اختصر نظرية حلاق عن الدولة الحديثة، إن كنت فهمت كلامه بشكل صحيح، بتلك العبارة السوقية المتداولة للشبيحة “نحن الدولة ولاك”، فهي تقال حين تقال مقصودا بها أننا نحن المعيار للخير والشر، للحق والباطل، للصالح والطالح. فالمقصود بهذه العبارة أن الدولة هي مصدر المعيار الأخلاقي، وهي كهي تكفي كتبرير، فالقداسة باتت للدولة، وكأنها شيء متجاوز متعال، كإله… ولذلك كان ذاك السؤال المتوحش نتيجة لهذا”مين ربك ولاك”…
وتفاؤلي بسوريا الجديدة الآن يجعلني أظن أن هناك إمكانية آتية لشكل جديد أخلاقي غير مسبوق في العصر الحديث سيغير كثيرا من النظريات التي انبنت فيه، مثلما أن الثورة السورية غيرت من معنى الثورات، ولأن المحاولة السورية من مبتدأها قبل سنوات وحتى الآن فيها درجة عالية من التضحية والأخلاقية والتفاني والإيثار والكثير الكثير من الإيمان بالله، مع الوعي بعثرات التاريخ، ومحاولة للتعلم من الأخطاء التي لا يخلو منها أي أمر بشري. وربما سيتسنى للدارسين رؤية أشكال أخرى في قادم الأيام ليدرسوها ويبنوا عليها. لكن الأمر مبكر قليلا على هذا الكلام والأوضاع لم تستقر بعد، وإن كنت أرى إرهاصاته، وما ذلك على الله بعزيز.
وبغض النظر إن كنتم ستعتبرون ما سأقوله فألا او إزعاجا أو حتى سذاجة، حسب زاويتكم للنظر، وبغض النظر عن التسميات الحديثة ولكن الجوهر واحد؛ أرى موعود رسول الله بصيرورة دمشق خير مدائن المسلمين بآخر الزمان قد اقترب أوانه، وأن ما يحصل في المنطقة ليس منعطفا تاريخيا آخر، ولكنه المسير بتسارع نحو منتهاه…

سلمى
كانون الثاني 2025