4 وائل حلاق والمثقف السوري: أفكار كانون الثاني 2025

ما يستحق الإعجاب بوائل حلاق وهو أكاديمي مسيحي فلسطيني أمريكي مختص بالتاريخ الفكري الإسلامي، أنه استفاد من جذوره العربية ونشأته في بلد إسلامي ومعايشته أناسهم واعتبار تاريخه كمسيحي شرقي مرتبط بالتاريخ الإسلامي، بمعنى أنه كان مدرك أن تاريخ المسيحية في الغرب الأوربي وصراعاتها لم يكن متصلا بتاريخه كمسيحي يعيش في أرض إسلامية، إذ لم تكن لديهم صراعاتهم التاريخية الأوربية فلا ظاهرة محاكم التفتيش نشأت بينهم ولا الحروب الدامية بين طوائفهم قد حصلت وبالتالي ولا آلية ظهور العلمانية عندهم وما تبعها بعد ذلك من فلسفات… وبسبب اصطدامه في بداية حياته الدراسية في أمريكا بالكتابات الاستشراقية الخاطئة عن الإسلام فإن مشروعه الذي اشتغل عليه وائل حلاق طوال حياته هو محاولة تصحيح حقل الدراسات الإسلامية في الأكاديميا الغربية، فدرس الشريعة الإسلامية وشرحها بشكل أفضل للدارس الغربي، ولم يكتف بهذا بل عمل على الاستمداد منها لمحاولة تصحيح أخطاء يراها في الفكر الغربي الذي صار هو جزءا منه لكونه يعيش فيه ويدرس… شأنه بذلك شأن كثير من المفكرين الغربيين الأخلاقيين الذين يروعهم الطريق المسدود الذي أفضت إليه الفلسفات الغربية المعاصرة وأثرها المدمر على المجتمع الغربي، فطفقوا يحاولون الاستمداد ثانية من جذورهم الكتابية، وسلك هو بينهم طريقا آخر بعودته لثقافة البلاد الإسلامية التي قدم منها… طبعا فإني كمسلمة لدي اختلاف معه في أمور جوهرية في منهجه وبعض نتائجه ولدي كثير من الملاحظات، وهو أصلا لا يكتب كعالم بالدين يعلّم المسلمين شؤون دينهم ولا كمفت ليأخذ المسلم بفتوى منه، بل هو يكتب عن الإسلام من خارج دائرة الإسلام لغير المسلمين… ولكن هذا لا ينفي إعجابي بكتابته، وقد قرأت له حتى الآن ثلاثة من أهم كتبه، وبعضها كانت في غاية الأهمية بالنسبة لي وخاصة تلك التي تحدث فيها عن كيف أثرت هزيمة الدولة العثمانية والتدخلات الأوربية فيها ثم الاستعمار على مفهوم الشريعة عند الناس ولمكانتها في المجتمع… وأرى أنه في كتاباته يقف على أرضية مشتركة بيننا يمكن القيام فيها بحوار بناء معه… وطبعا هو لا يدرس الإسلام كنوع من التملق كما اتهمه بعضهم للأسف، ولا كتابته ذلك النوع من الغرائبية المشرقية الرومانسية كما يفعل بعض المؤلفين الغربيين بحثا عن حلم ما يعيشونه… ولكنه يدرس الشريعة الإسلامية كمؤرخ لظاهرة “بشرية” أخلاقية نجحت لقرون متطاولة وصنعت حضارة عريقة، تستحق التعلم منها والاستمداد لحل الكثير من الإشكالات الغربية الأخلاقية الحالية…. وسبب اختياره للإسلام لأنه الخلفية الثقافية التي أتى منها وليس لإيمانه بأن مصدره الوحي الإلهي طبعا، مع أنه هو السبب في كل ما أعجبه فيها حقيقة… وأنا أشير لظاهرته بأنها تستحق العناية من المثقف من بني جلدتنا المحب لأرضه وللحق والعدالة والذي لا ينطلق من خلفية إسلامية ولا يؤمن بالوحي، فهو هنا على هذه الأرض ونشأ بهذه الثقافة ويريد بناء مشتركا مع بني جلدته الذين غالبيتهم من المسلمين المعتزين بدينهم وبتاريخهم وبغنى شريعتهم الإسلامية وبصلاحيتها للإصلاح في كل زمان ومكان… فإن أقل المراتب ليكون الحوار مفيدا بأن يحاول فهم هؤلاء القوم الذين غُيّب حضورهم عن الساحة عقودا، وذلك بالابتداء بالانتباه إلى مفهوم الدين بمعناه الإسلامي ومعنى الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي كذلك… فالدين بمعناه الاصطلاحي عند المسلم يختلف مفهومه جذريا عن تعريف الدين عند المسيحي وعند غيره من الأديان والطوائف… وليس للدين مفهوم كوني ينطبق على أي دين لتتحدث عن العلمانية ببساطة من دون مراعاة سياق المفاهيم التي تستخدمها، وطبعا لا أحد يقصد في حواره المعنى اللغوي بمعنى أنه ذاك الذي تدين به، إذ هذا لا يصلح للحوار لأن هذا المعنى اللغوي ينطبق على أي شيء تؤمن به، والبشري لا يخرج عن كونه يعتقد شيئا ما أيا كان… ثم ما الجدوى من التدليل والاستمداد من تاريخ لا هو ولا أنت ولا أجدادك ولا أجداده قد عشتموه، بينما أصحابه الغربيون الذين ابتدعوه يعانون من نتائجه ويبحث مفكروهم عن حلول للمآزق التي أوقعهم فيها… لماذا لا تحاول العودة لهذه الثقافة والتاريخ ودراستها وفهمها والبحث فيها… شيء يشبه ما يفعله وائل حلاق…
10 كانون الثاني 2025

سلمى