قصة كاريكاتور أمريكي من 1893 عن عرض مشرقي ما بين الأرض المقدسة وأرض المتعة

تفصيل من رسم كاريكاتور من عام 1893، حيث يظهر تجاهل الجمهور الأمريكي للعارض المشرقي الذي يحاول عرض مناظر من الكتاب المقدس، ثم تلقيه نصيحة من تاجر أمريكي، فحول المشهد من الأراضي المقدسة إلى الليالي العربية والحريم
رسم كاريكاتور من عام 1893 في مجلة عفريت المعرض World’s Fair Puck في شيكاغو، حيث تظهر هجوم الجمهور حين غير العارض المشرقي دعاية استعراضه من مشاهدات من الكتاب المقدس إلى مشاهد من ألف ليلة وليلة والحريم

حين طلب من أبي خليل القباني المشاركة مع فرقته المسرحية (مرسح العادات الشرقية) _ولم يكن مصطلح مسرح قد ظهر بعد وإنما كان متداولا لفظ مرسح أو مرزح_ في معرض شيكاغو عام 1893 الذي يجمع الفلكور والفنون من أنحاء العالم، قام بتدريب فرقته كثيرا، وقد أثمر ذلك ” نتائج مبهرة، استحقت ثناء كبريات الصحف الأميركية، فكتبت عنهم مواد مطولة […] بل إن إحدى الصحف سارعت لاتهام كاتب مسرحي بريطاني مرموق، هو السير جميس ماثيو باري باقتباس حبكة مسرحيته (قصة حب البروفسيور) من حبكة مسرحية (الدراما القلمونية).
وفي المقابل، كان ثمة تقييم آخر اتسم بسلبية مفرطة، يعود أصلها إلى الأوهام العميقة المترسخة عن الشرق منذ الحروب الصليبية، والتي عبرت عن نفسها بشكل صارخ في كتب الرحالة الغربيين إلى (الأراضي المقدسة) و(صحارى العرب) خلال فترات انحطاط السلطنة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
لقد كان الجمهور الأمريكي، بمختلف شرائحه وطبقاته، على موعد مع شعب (أرض الكتاب) وجها لوجه. وفي الوقت نفسه، كانت إدارة الفرقة، وخصوصا نعوم مغبغب، على علم مسبق بحالة (الانبهار) المتوقعة من رؤية (شعب الرب)، فأطنب في هذا الجانب أيما إطناب، حين صاغ دليل العروض بعبارات بليغة، وتعليقات ذات مرجعيات دينية مسيحانية، حاولت دغدغة عواطف الأميركي البسيط، المؤمن بمعجزات وأعاجيب (الأرض المقدسة). حتى أنه كرس ركنا من أركان المسرح لعرض صور مكبرة للقدس وكنيسة القيامة، ولبيت لحم وكنيسة المهد والمذود، وللناصرة وكنيسة البشارة وجبل طابور، وأماكن معجزات السيد المسيح قرب بحيرة طبريا. ولكن هذا الإطناب لم يكن يروق لبعض النقاد والصحافيين الأميركيين، ذوي الثقافة الليبرالية، والذين وجدوا في هذه المبالغات فرصة للسخرية والتندر. حتى أن المجلة الساخرة (عفريت المعرض World’s Fair Puck) خصصت رسما كاريكاتيريا ظهر فيه السيد مغبغب وهو يعرض بضاعته الكاسدة (مشاهد الأرض المقدسة) التي يتجاهلها زوار المعرض، بمن فيهم الواعظون في كنائس الأحد، ولكنه حين يستبدلها، بناء على نصيحة رجل استعراض أميركي خبير، بمشاهد من (حياة الحريم) و(الليالي العربية) يندفع (الواعظون) إلى مسرحه بهوس عجيب”
من الكتاب الممتع (من دمشق إلى شيكاغو؛ رحلة أبي خليل القباني إلى أميركا 1893) لـ تيسير خلف