المعجزة؛ إعادة قراءة الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم

المؤلف: أحمد بسام ساعي

هذه دراسة جميلة وقيمة جدا… تأخذ بيد القارئ ليعايش كيف استقبل عرب الجاهلية القرآن، وما الذي صدمهم حين استمعوا له لأول مرة، وما هو وجه الإعجاز الذي استشعروه فيه… لماذا كانت تلك الدهشة، فآمن به البعض بمجرد سماعه ولم يجد آخرون مقاومته إلا بالسيف… تراكيب جديدة، معان جديدة، مصطلحات جديدة، أسلوب خطاب جديد… خلق لغة جديدة تماما داخل اللغة العربية… بنية لغة جديدة لكنها مفهومة لأنها مبنية من لغتهم… وبالتالي كيف انقلب وجه اللغة العربية برمته رأسا على عقب…

“إن (لسان القرآن) يخرج اللفظ عن كونه مجرد لفظ، لأنه يحمّل اللفظ طاقات دلالية لم يعهدها أحد في تلك الألفاظ قبل نطق القرآن بها، فهو يفرّغها ويملؤها، ويمنحها معاني، ودلالات ما كان لشاعر أو ناثر أو مجموعة كبيرة أو صغيرة من أساطين العربية أن تمنحها تلك الدلالات”. ص15

مؤلفه السوري أحمد بسام ساعي أستاذ الأدب العربي، قد عمل على فكرة الكتاب قرابة العشرين عاما، بعد دراسته لما ورد من المرويات الشعرية الجاهلية وفي صدر الإسلام ومقارنتها بالقرآن الكريم… محاولا الكشف عن ما يميز البنية اللغوية القرآنية عن كلام البشر العاديين… بل حتى ما هو امتياز لغة القرآن عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي أوتي جوامع الكلام… وحتى ما هو امتيازها عن لغتنا الحالية… وكان ما قدح فكرة الكتاب هو تعامله مع أسئلة طلبته من غير العرب في جامعة اكسفورد حول لغة القرآن الكريم، إذ كانت أسئلتهم غير المعتادة الشرارة التي قدحت في ذهنه فكرة الكتاب…

الكتاب ممتاز وممتع وجدير بأن يقرأه كل من يرغب بالاقتراب من القرآن الكريم أكثر، ومن يريد أن يفهم الاعجاز وليس يؤمن به اعتقادا فقط… سيما وأنه مؤلف بأسلوب سلس يناسب أي قارئ، فلا هو بالمتقعر ولا بالمغرق بالتفاصيل البلاغية التخصصية المتعبة… وأظن صراحة لو أن الجرجاني صاحب كتاب دلائل الاعجاز اطلع على كتاب ساعي لكان غبطه، لأنه لب ما أراده الجرجاني من كتابه لكن التطبيق أظهر للفكرة وأبسط، وليسامحني الجرجاني على هذا… فساعي استطاع أن يجعل القارئ العادي يتذوق الاعجاز تذوقا من خلال المقارنة، من دون إنهاكه أو الاعتماد على حس جمالي بلاغي متطور ربما لا يكون موجودا… وأن يعيد انتباهه لكون القرآن معجز اللغة وأيضا ميسر للذكر في نفس الآن…

وحينها ستفهم ما الذي جعل الوليد بن المغيرة يقول في لحظة تأثر: “والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر.”

للكتاب جزء ثان تطبيقي تفصيلي على بعض السور، إلا أني لم أقرأ إلا الجزء الأول
(ظواهر التجديد في لغة القرآن الكريم) الذي يحتوي على النظرية مع بعض الأمثلة التطبيقية… كما أن له مختصرا على ما أظن…

الكتاب إضافة حقيقية للدراسات القرآنية… لأن دراسته للإعجاز من وجه غير معتاد في الدراسات القرآنية التي اهتمت بهذا الجانب… وهو كتاب آخر من الكتب التي فازت بالجائزة السلماوية لو أني كنت أملك توزيع الجوائز…
كنت قرأته العام الماضي… والشكر موصول للأستاذ الفاضل الذي أهداني إياه…

وفي ما يلي تعريف بسيط بثمان دقائق لـ عبد الرحمن الشهري عن الكتاب:

المعجزة؛ إعادة قراءة الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم
لمؤلفه السوري: أحمد بسام ساعي
المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا، ط1 / 2012

سلمى
محرم 1442
آب 2020