لغة وزهرة وذرة وسلمى

(مشبه أو مجسم) لوحة لـ ساسان ناسرنيا Entropomorphic – Sasan Naserina

(إنما هذه مجرد تأملات سلماوية ذاتية وليست نقاشا لغويا)

آخر ما يمكن أن توسم به شخصية مثلي بأنها عملية أو فيّاضة أو محتوية، ولهذا يغلب السكون على وجودي في الحياة لقلة انخراطي واختلاطي في فعالياتها على كافة مستوياتها… مثل زهرة برية شائكة غير فواحة في قمة جبل في سلسلة جبال وعرة… زهرة عادية ليس فيها من إكسير للحياة كما هو الواقع بطبيعة الحال…
فهذه المتوحدة وتلك الزهرة العسرة وذرة غبار كونية تهيم في الفضاء على بعد ملايين السنوات الضوئية، ومعنى عتيق مهجور الاستعمال لكلمة في معجم لسان العرب، وملايين من التفاصيل كثيرة كثيرة قد خلقها الله في هذه الحياة وأودعها، وهي مرادة بالخلق ولذلك هي موجودة، وهي ذات جدوى رغم صمت أسبابها… بغض النظر عن كل المتشككين العمليين الذين يريدون فائدة مباشرة وحاضرة يتلمسونها ليصادقوا على جدواها! فليس الاستعمال مرادف للوجود ولا للجدوى، وعدم إدراك فائدة ظاهرة معتادة للناظر لا يلغي فائدتها التي قد تحتاج لكثير نظر وتأمل لتظهر، وقد لا تظهر! فمن قال أنه يمكن لأفهام البشر القاصرة الإحاطة بالحكمة من كل ما أوجده الخالق؟

ولذلك لم أقتنع حتى الآن برأي النافين لوجود معنى حقيقي للكلمة ثابت وموضوع لها في أصل اللغة بشكلها المجرد، أو يرون عدم جدوى التقسيم بهذه الطريقة تحت حجة أن مدار اللغة هو الاستعمال. فرغم كل وجاهة الأدلة المقدمة، ورغم اقتناعي بأهمية ما يقولونه في تحليل الخطاب والنصوص القصدية، إلا أن التفكير بهذه الطريقة في اللغة بشكلها الأعم على طول الخط يبدو لي عمليا أكثر مما أستطيع هضمه… وربما مداومة النظر في (المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن) لمحمد حسن جبل والذي حاول فيه بيان العلاقات بين صوت اللفظ ومعناه، جعلتني أكثر تشبثا بفكرة المعنى الأولي الثابت، سيما وأنك لا تعود بعد هذا المعجم قادرا على اعتبار ارتباط اللفظ بالمعنى أمرا اعتباطيا محضا، وأنه ليس من جدوى عملية من التفكير بأصل الكلمة في وضع مجرد، تحت حجة أن ليس من كلمة من دون سياق! فماذا عن سياقها الوجودي في الكون؟
وكيف يصرف المرء نظره عن تلك الإمكانية الساحرة بين اللفظ والمعنى التي تفتح أفقا عجائبية للنظر… تحملك إلى التفكير في اللغة فيما وراء عملية التخاطب الآدمي، أو إن شئت أن تقول فيما قبل الاصطلاح عليها، فلك ذلك، وإن كنت لا أحبذ هذا!

افتراض أن أصل المعنى المركوز في اللفظ بسبب صوته وطريقة نطقه، وبأن هناك علاقة منطقية ما أو نظام من شكل ما لارتباط الألفاظ بالمعاني، يزيد سحر اللغة على سحرها! فهل يمكن لهذه العلاقة التي تملك نظاما معينا أن يتشربها الدماغ كما يتشرب نظام الكون حوله بكل تفاصيله فيتعلم منه آلية ما دون أن يعلم؟! وهل حقا إنما وجدت اللغة لأجل التخاطب بها فقط؟ أم لها أغراض أخرى لا يمكن الإحاطة بتجريدها؟ مذ عُلِّم آدم الأسماء كلها بداية، أحينها وجدت لأجله أم كانت من قبله؟! وهل وضعت اللغة محاكية لنظام الكون أم أن نظام الكون وضع محاكيا لها، أم أنهما وجدا في وقت واحد متناغمين معا؟ وهل محاولة استحضار المعنى الموضوع للكلمة في أصل اللغة ما هو إلا محاولة لتذوق كيف بدأ الخلق؟ فكيف سيكون إذن شأن اللغة في النشأة الآخرة؟ كما الكون ستنسف وتبدل؟ أم كما الإنسان سيعاد جمعها وإحياء الموات منها، أم شيئا آخر غير كل هذا؟

دعوني أعود لحجمنا البسيط من هذا التحليق اللغوي السماوي، حيث يمكن ببعض النظر لمعنى عتيق مهجور في معجم لسان العرب أن يكون عونا لنا على فهم أكثر لكيفية استعمال كلمة ما في القرآن الكريم ضمن سياق الآية، كما يعلمنا جبل في معجمه العظيم الذي لا يمكن حصر مزاياه المباشرة والحاضرة… وحيث يمكن لزهرة نائية وذرة كونية جوالة أن تكون أداة تشبيه في كلام سلمى ساكنة تتأمل في هذا البيان المودع فينا ولا ندري كيف يخرج من بين ثنايانا… فما الذي يعلمه الإنسان حقيقة؟!

ذو القعدة 1440 – تموز2019
سلمى