خُـذِ الحِـكمةَ لا يضـُرّكَ من أيّ وعـاءٍ خَرَجَـتْ.
 

مرحبـا ..
ما مناسبـة هذه المقـولـة يـا حزركم 
المناسبـة هي دون شك قراءة كتاب جديد.
ولكن هل لكم أن تتنبّـؤوا بعنوان أو موضوع ذاك الكتاب.  

إنّـه "التّـلمود" كتـاب اليهود المقدّس.
قد تستغربون العنوان وفائدة قراءة كتب كهذه.
الفائدة- وكما تبيّـن من عنوان المقال- تتلخّـص في أنّ الإنسـان لن يعدم الفائدة من أي شيء يقرأه ولو كان أحيـانـاً يُـخالف ما اعتاد عليه.  
قد يجفل أحدكـم بادئ الأمر إذا قـرأ عنوان ذلك الكتاب وربّـما سيقوده ذلك إلى الاِمتناع عن اِقتنائه أو حتّـى محاولة قراءته أو الاِطّلاع عليه، اعتماداً على مقـولـة "الإنسان عدو ما يجهل" و كم سـيُـضيّـع على نفسه فوائد جمّـة إذا لم يحاول كسـر ذاك الوهم والحاجز الذي يفصـله عن الاِطّـلاع على ما يجهله ولا يألفـه.

أعجبني جـدّاً الكتاب لدرجـة أنّـني أنهيتُـه في غضون خمسـة أيّـام فقط، لكثرة مـا شـدّني.  
رغـم أنّـي حضـرتُ محـاضرة عـن ذاك الكتاب بالذات بحضور مؤلّـفه مُعرِّفـاً به ولـكن لم أكن أتخيّـل أن يكون بتـلك الرشـاقـة والاِنسـياب.
كمـا لم أكن أتوقّـع أنّـه ممكن أن أجد فيه أشيـاء جميـلـة مفيدة.
لا أُنـكر أن أسـلوب الكاتب (الرّشيق) كان له السبب الأقوى في شـد القارئ للكتاب.

أكّـدتْ لي قراءة هذا الكتاب فكرة كانت قد ذكرتْـهـا لي صديقة -مُـلحدة- عندمـا قالت في أوّل لقـاء كان بيننا: لا يجب أن تُـخاطبي إنسـانـاً إذا كـان على غيـر دينـك وتقـولي إنّ الإسـلام هو الدّين الأصح ولا شيء غيره، لأنّـه من وجهـة نظره الخاصّـة -إذا كان يُـمارس شعـائر دينـه- يَـعتبر أنّ ديـنـه هو الصّـحيح وهو الأكمل، وها هو ذا يطبّـقـه ويعيش بسلام مع ذاته ومع من حولَـه.
لا يعتقـد أحدكم أنّـي أذكـر ذلك لأقول إنّ كلامهـا صحيح وأنّ هنـاك ديـن آخر غير الإسلام صحيح أيضـاً.
ولكن أنـا أعرض فكرة أنّ الإنسـان يجب أن يكون متفـتّـح الذهن في قبول الآخر، ليتسنّـى له بعد ذلك أن يفتح حواراً معه يستطيـع من خلاله أن يقرّبه إلى وجهة النّـظر التي يريدُهـا.
ولكن طالمـا أنّـنا نجهل ذاك الآخر، ونجهـل تمـاماً ما يعتقده ويؤمن به فلن يكون هنـاك أي أمـل لتقارب فكري عقائدي معه.
كم سيكون موقف المُسـلم قوياً إذا أراد أن يتحـاور مع مسيحي أو يهودي أو بوذي أو حتّـى مُـلحـد مـا أروع لو كان يقف على أرض صلبـة من المعرفـة بديـنـه أوّلاً، ومن ثمّ بمعتقدات من يحـاوره ثـانيـاً، عندهـا ستكون مصداقيّـتـه في الكلام أقوى وذلك سيُـوصلـه للإقنـاع ربّـمـا.
ولكن المشكـلـة عنـدنـا -نحن المسلمين- أنّـنـا نهـاب أو ربّـما لا نجرؤ على قراءة كتـاب دينـي غيـر القرآن –اللّـهمّ إن كُـنّـا نقـرأ القرآن أصلاً أو حتّـى نُـتقـن تلاوتـه- وهذا ما جعـلنـا نجهـل تمـامـاً ما تقوم عليه أفكار غيرنـا ومعتقداتهم.
والشّـيء نفسـه ينطبق على نـظرة الآخر لنـا كمسلميـن، المشـكلـة تكـمن أغلب الأحيـان في الجهـل بمـا لدى الآخر وبالتّـالي العـداء.

لـم أكـن أتخيّـل أن أجد في كتـاب التّـلـمود مـا قد يعجبني أو حتّـى أستفيـد منه، ولكن مـا أن سـِرتُ قـُدمـاً في القـراءة إلا بدأتْ أشيـاء جميـلـة تتراءى لي، التي أعتقـد أنّـنـا على أسـاسـهـا ممكـن أن نبني بـدايـة اِنطلاقـة حـوار علـمي راقٍ مُـطّـلـع.
أعـود وأكرر لا يظنّـن أحدكم أنّـي أروّج لكتابهم أو ديانتهم، ولكن الفكرة التي أبغي الوصول إليهـا أنّـنا يجب أن لا نحكم على شيئ قبل أن نطّـلع عليـه ولـو بشكـلٍ مُـختَـصَـر، فكمـا يقـال : المعرفـة قـوّة.
وثـانيـاً: يجب تغيـير فكـرة الاِنـطواء على الـذّات وعـدم الاِنفتـاح على فكـر الآخر، دون خـوف أو وَجَل، لأنّـنـا كمسلميـن نحمـل الفكر الأقوى، ولا مجال للمقـارنـة ولا بأي شكـل بيـن كلام الله تعـالى وكلام البشـر.
على العكـس سيزداد تمسّـكنـا وتعلّـقنـا بالقرآن الكريم بـعد أن نرى البون الشّـاسع بينـه وبين غـيره من الكـُتب التي تـوصف بـأنّـهـا مُـقدّسـة.
فـكرة أُخـرى تتجلّـى لـنـا من خلال قـراءة ذاك الكتـاب ألا وهـي: أنّ الحـق مهمـا اِختلـفت مصـادره فـهو واحد لا يختـلف عليـه اِثنـان.
وكم تجـلّى هذا في بعض التّـوصـيـات والإرشـادات التي يحتـويـها ذاك السِّـفـر(المُـقدّس).
ومن هذه الفكرة يُـمكن أن تكون هناك اِنطلاقـة لحـوار يجـمع وجهـات النّظر بَـدلَ أن يُـفرّقـهـا، ويقـرّب البعـيـد ويـوفّـر الجـهـود الضّـائعـة في إدانـة الآخر واِنتقـاده.

هذه فـكرة مختـصرة للفـائـدة التي اِستخلـصـتُـهـا من قـراءة هـذا الكـتاب.
والآن إلى تـعـريف أكثر بالـكتاب.

الـتّـلـمود
كـتـاب اليـهـود المُـقدّس.
تـاريخـه وتـعـاليـمه ومُـقتطفـاتٌ من نصـوصـه.
تـرجـمَه عـن العِـبريّـة: د. أحمـد إيبش.
قـدّم لـه: أ. د. سُـهَـيـل زكّـار.
نـشر دار قُـتيبـة.
الطّـبـعة الأولى 1427هـ - 2006م.
يقـع في / 403/ صحيفـة.

بالنّـسبـة لأسـلوب عرضـه وترجمتـه ، كـالعـادة أقـول كـان أسـلوب المُـترجـم شَـيّـق ورشيق، ويـدل على تمكّـنـه من اللّـغتين العربيّـة والعبريّـة.
لا تشـعر وأنت تقـرأه بصـعوبـة في فـهـم العبـارة أو ركـاكة في نقـلـهـا، كما ألِـفـنا ذلـك في قـراءة مقتطفـات من الكتب (المُقـدّسـة).
(بالنّـسبـة لي شخصيّـاً قـرأتُ من فترة إنجيل متـّى ولكن كان أسـلوبـه غـاية في الرّكـاكة والضّـعف).
وكمـا يذكـر المُـترجِـم بـأنّ هذا الكتـاب هو جـزء بسيـط من التـّلـمود الكـامل الذي يـقع في أربعٍ وستّـينَ جـزءاً من القطع الصّـغيـر، والذي ينـوي متـابعـة تـرجمتـه في قـادمـات الأيّـام، لـذا أنـاشده من هُـنـا أن لا يتوانى عن هذا العـمل وليُـبـادر إليـه بـأقرب فرصـة.

كمـا وقد أغـنى المُتـرجِم النّـص ببعض التّعـليقات في الحاشيـة لا أُنـكِرُ (في بعض الأحيـان) غِـنـاها وفـائدتـهـا.

وسـأنقـلُ لكم اِستكـمالاً للفـائدة فـهرس الكتـاب، وبعض العبـارات الجميـلـة التي وردت فيـه.

- هـذا الكـتـاب...
- مُـقـدّمة بقـلـم الأستـاذ الدّكتور سُـهيـل زكّـار...
- الـتّـلمـود: تـاريـخـه وتعـاليـمه...
- مُـقتـطفـات من نُـصوصِ الـتّـلمود...

القسـم الأوّل: سِـيَـر الأوّليـن في سِـفـرِ التّـوراه.
- الفصـل الأوّل: من قَـِن وهَبـل إلى خـرابِ بُـرجِ بـابل.
- الفصل الثّـاني: من مَـولِد أبرام إلى خـراب سـدوم وعمراء.
- الفصـل الثّـالث: من مَـولِد يصـحاق إلى وقعـة شـكيـم.
- الفصـل الـرّابع: من فـتـوّة يـُوسيف إلى بـلوغـه حـكم مصـر.
- الفصـل الخـامس: مجـد يـُوسيف ودخـول يعقـوب إلى مِصـر.
- الفصـل السّـادس: موت يعقوب وأبنـائِـه –موشيـه- الخلاص من مِصـر.

القـسم الثّـاني: نمـاذج لحـواشي التّـلمود التّـفسيريّـة على التّـوراه.
- الفصل الأوّل: الخلاص من أرضِ مِـصر.
- الفصل الثّـاني: الآفأت العشـر.
- الفصـل الثّـالث: موت موشيـه.
- الفصـل الرّابـع: مجِـلّـت (ميثـاق) إستيـر.
- الفصـل الخامس: الملك شـلومو الحكيم.

القسـم الثّـالث: تـعـاليم الحاخـامـات ونُـبَـذ من تـراجم حيـاتِـهم.
- الفصل الأوّل: * الـرّابي يـهـوداه هَـناسي (الـرّئيس).
* الـرّابي شمعون الصّـالح.
* الـرّابي يشْـمَعيـل، الكاهن الأكبَـر.
* الـرّابي مئـير.
* هِـلّـيل هَـنَـاسي.
* الـرّابي راشي.
* الـرّابي مُـوشيه بن مَـيْمُـون.
* الـرّابي أمنُـون من ما يْنتُـس.
- الفصـل الثّـاني: تـعـاليـم الحاخاميم:
* فضيـلـة الإحسـان.
* فضيـلـة التّـواضع.
* فضيلـة تقـوى الله.
* فضيـلـة إكـرام الأبوين.
* الشّـريعـة ودراستـهـا.
* فريضـة الصّـلاة.
* تقـديس يوم شَبـّات.
* الثّـواب والعقاب.
* السّـعي في الرّزق.
* حـولَ المَـوت.
* مـوعظة جنائزيّـة لموتِ حاخام.
- الفصل الثّـالث: * وقـائع من سِيَـر حياة الحاخاميم:
* الـرّابي عَـقيبـا.
* الـرّابي إليْـشَـاع بن أبويـاه.
* الـرّابي شمعـون.
* قـصص مُتـفرّقـة عن الحاخامات.

القسم الـرّابع: من أمثال الحاخامات ونماذج من أسـاطيرِ الـتَّـلمودِ.
- الفصل الأوّل: أمثـال ومأثورات.
- الفصل الثّـاني: أقاصيص وأسـاطير:
* الجزيرة المهجورة
* الإمبراطور والعجوز.
* بيّـنـة على ملكيّـة.
* ردُّ دَيْـن.
* اِبن عـرس والبِئـر.
* الوريثُ الشّـرعي.
* لا شيء في الـدُّنيـا بغيـرِ نفعٍ.
* عـاقِبـةُ الإيمـان.
* إبتينوس وجَرْمـاه.
* الوثوق بالله.
* العروس والعريس.
* الحـقّ.
* خـرابُ بيـتـار.
* خـرابُ يُروشَـلايْم.
* خـرابُ يَروشَـلايْم الثّـاني.
* حَـنَـاه وعِيالِـها السّـبـعة.

القسم الـخامس: الشّـرائع المدنيّـة والجزائيّـة والأعيـادُ المُـقدّ سـة.
- الفصـل الأوّل: الشّـريعـة والقضـاء.
- الفصـل الثّـاني: الأعيـادُ المُـقدّسـة:
* عيـدُ العُـبور (الفصح).
* عيـدُ الحَـصاد.
* عيـدُ رأسِ السّـنـة.
* عيـدُ يـومِ الغُـفران.
* عيـدُ المَظـالّ.
* عيـدُ التّـأسيسِ.
* عيـدُ بـوريم.
القسم السّـادس: العصبيّـة الدينيّـة والإثنيّـة في التـّلمود.
نـماذِج مُختـارة.

- طبعـات التّـلمـود وترجمـاتِـه المُـختلِفـة.
- التّـلمود باللّـغـة العربيّـة.
- مسـرد مـراجع البحث.
- الأعمـال العلميّـة المنشورة لأحمد إيبش.

هـذا فـهرس الكتاب نقـلتُـه لكم.

وسـأعرض الآن بعضـاً من العِبَـر التي قـرأتُـها في ثنـايـا الكتـاب وأعجبتني.
لن أزيد على ثلاثِ عِـبَـر حتّـى لا أفـقـدكم مُتعـةَ الـرّجوع إلى الكتاب.

• ادعُ الله لنيـل رحمتِـه، حتّـى يُهـالَ الكوم الأخير من التّـراب على قبرك.
• يتشكّـى الجحش من البرد حتّـى في تمّـوز.
• الـدّار الذي لا يستـقبـلُ المسكين يَـستقبلُ الطّبيب.

أكتفي بهذا القدر تـاركةً لكم متـابـعة ذلك بأنفسـكم.

ملاحظة أخيرة
أكثـر ما يُـميّـز كُـتـب المُـتـرجم هـو غلافـهـا والذي يبدو أنّـه يقوم باختـيـاره بـتـروٍ واتـقـان فيـأتي منـاسب للموضوع بشكـلٍ كبير.

في الخِـتـام أقـول:
شـكراً لـك دكـتـور أحمد على هذا الكتـاب وبـانتـظار التّـتـمّـة. 

واستكمالاً للفـائدة، وإشبـاعـاً لحـب الاِطّـلاع لدى حضـراتكم، هـذه صورة المُـتـرجم صـاحب الأسـلـوب الـرّشيق.

wafadoro@gmail.com

عودة للمواضيع