الدّكتور شوقي أبو خليل

 

 

شوقي أبو خليل     شوقي أبو خليل


 

ما يمكن أن أعتبره فعلاً المرحلة الحاسمة والتغيير الجذري الذي صادفني فقلب حياتي رأسـاً على عقب، وإلى الآن أعيش وأتقلـّب في نعيمه.
ألا وهي السنة الثالثة في كليّة الشّريعة جامعة دمشق الفصل الدراسي الأوّل..
لا أستطيع مهما فعلت أن أشكر
فضل الله علي لإرساله مدرّس مثله.
أرسـله الله تعالى لي ليُـدخلني في عالـُم الكتاب والقراءة والثقافة الذي أتمنّـى أن أتـابع حياتي وأنا أرفل في عالمه الرّحب. 
كانت محاضراته غنيّـة بجميع أنواع المعرفة، وخاصّـة فيما يتعلّـق بالكتب وما استجـدّ منها.
صراحة لا أستطيع أن أصف ما أحدثته فيّ كلماته وعباراته وحماسه الشديد....
كان ذلك في العام /1994/ ومن يومها وأنا لا أتوقّـف عن المتابعة -وبنهم- عن القراءة وشراء الكتب والبحث عنها حتى ليكاد بيتنا يطفح بالكتب. 

كان ذاك هو الدكتور شوقي أبو خليل
تغمده الله برحمته وأدخله فسيح جناته
وجزاه الله عني خير الجزاء وأجزله..

 

من أجمل وأهم الأشياء التي لمستها في حياته
وبالتالي تعلّمتها منه 
قضية محافظته على الوقت ودقة التزامه بمواعيده ووقته
كان يقول: "الوقت هو الحياة"

أذكر أول يوم ذهبت لحضور محاضرته في السنة الثالثة
لم أكن أعرفه قبلها، اللهم ما كنت أرى من احتشاد الطلاب على محاضرته، وصوته الجهوري الذي يملأ أركان الجامعة.
فذهبت، جلست في المقعد الأول وجلست أنتظر مع بقية الزملاء
ولما صارت الساعة الثامنة وخمس دقائق أو أكثر بقليل 
وإذ أرى الطلاب يغادرون القاعة ويذهبون
فتعجبت لماذا..
فسألت فقالت لي زميلة بقربي
الدكتور شوقي ملتزم جداً بالحضور على الوقت تماماً، أو حتّى ربّما قبل الوقت بخمس دقائق كي يجهّز اللّوح ويكتب عليه ما يريد دون أن يأخذ من وقت الدّرس

وبالفعل لم يأت يومها ..

المحاضرة السّاعة الثّامنة
معنى ذلك أنه سيكون واقفاً على المنصّة السّاعة الثامنة لا يحيد عن ذلك أبداً

وكذلك دوامه في مقرّ عمله
كل يوم السّاعة السّابعة والنّصف صباحاً
تراه قادماً بسيّارته ويترجّل منها متوجّهاً إلى مقرّ عمله ليكون أوّل الداخلين إليه ..
لا يتأخّر عن ذلك قيد أنملة

هذا عدا الهمّة والنّشاط اللّتان كان يتمتّع بهما
من مدّة ست سنوات خضع لعمليّة في القلب غيّر فيها أربعة شرايين 
وبعد شهر بالتّمام والكمال وجدته قادماً إلى عمله بكلّ همّة ونشاط وكأن شيئاً لم يكن.

حتّى الآن ..
سبحان الله كان مداوماً في عمله لحد يوم الإثنين 
يعني قبل وفاته بيوم واحد فقط
وعندما ذهبت البارحة لمكتبه وجدت نظاراته لا تزال على المكتب كما تركها
وكأنّها تقول أنّي سأعود إليكم لأتابع عملي كالمعتاد.

ولكن للأسف
مات ولن يعود


 

ماذا عساي أن أكتب عن ذكرياتي معه:

-          ذهابي لجناح الفكر في معرض الكتاب لاستشارته في الكتب التي ممكن أن أشتريها، ومعي الورقة التي كتبت عليها الكتب التي ذكرها لنا في قاعة الجامعة.. تقدّمت منه على استحياء ومعي الورقة فظهر البشر على وجهه بعد أن عرّفته بنفسي وبسبب مجيئي.. دلّني يومها مشكوراً وعرض عليّ غيرها.. لأفاجأ بعدها في بداية العام الدّراسي يتحدّث عن عملي هذا على منصّة الجامعة قائلا: سرّني جدّاً أن فتاةً كانت في العام الماضي هنا جاءتني إلى جناح دار الفكر معها ورقة بحجم هذه الورقة- وصادف وقتها أن وقع نظره عليًّ- فقال: وموجودة هون كمان!! أنا وقت حكيت ما كنت شايفها يشهد الله..

وتابع سبب إعجابه بعملي أنّه شعر بثمرة محاضراته وتأثيرها.. فقال: يكفيني أنا في العام أن أؤثّر بخمسة أو بعشرة..

فهو دائماً كان يذكر لنا أنّنا حاملي أمانة يجب إيصالها للنّاس، ألا وهي سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم وأخلاقه وأن نتمثّل سلوكه في حياتنا..

فكان لكان لكلامه السّبب الأكبر في إشعال جذوة حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قلبي..

-          وكما هي عادتي في علاقاتي الاجتماعيّة أكاد لا أفوّت فرصة اغتنامي للقرب من شخصيّة رأيت عندها نفعاً أو فائدة، فبدأت أوثّق علاقاتي معه.. فكان بداية ذلك أن أحضرت له كرّاساً كان قد ذكره لنا في إحدى محاضراته وقال أنّ لديه نسخة مصوّرة عنه وليس النّسخة الأصليّة الملوّنة الأنيقة.. فما كان منّي إلّا أن بدأتُ مشوار النّق على والدي ليؤمّن لي النّسخة الأصليّة الملوّنة.. وحصل ذلك..

فذهبت إلى مكتبة وأنا أكاد أطير من الفرح، وعندما دخلت لمكتبه وقدّمتها له بدا البشر والسّرور على محيّاه واضحاً..

وبما أنّه كان له الفضل في جعلي قارئة فكنت كلّما قرأت كتاباً قيّماً ذهبت لمكتبه وذكرته له وإن لم يكن على علم به وأعجب بفحواه كان يستعيره منّي، وكم كنت أشعر بالفخر والسّرور.. فها هو أستاذي وقدوتي في القراءة والكتب يستعير منّي كتاباً..

أذكر مرّة أعرته كتاب (قيمة الزّمن عند العلماء) فأعاده لي وعليه بعض ملاحظاته بخطّه الجميل وقال لي شاكراً أنّه استفاد منه كثيراً في محاضرة ألقاها منذ يومين..

-          وتطوّر الأمر بعدها فأصبح يقدّم لي كل ما يصدر له من مؤلّفات جديدة – وما أكثرها- وعليها إهداءه لي وتوقيعه بخطٍ جميل كان يتفنن في زخرفته واختيار أجمل العبارات.. يبدأها بقوله: إلى  ابنتي وفاء...

-          ووفاءً منّي بعظيم أثره كنتُ لا أكاد أنسى معايدته في عيد المعلّم وتقديم هديّة متواضعة رمزيّة تعكس ولو بشكل بسيط امتناني وتقديري له.. هذا عدا عن ذهابي أوّل يوم في العام الدّراسي من كلّ عام قبل ذهابي للمدرسة مذكّرة إيّاه بأنّه معلّمي الأوّل وها أنا أجدّد وفائي من منطلق: (قم للمعلّم وفّه التبجيلا)، طالبةً منه الدّعاء لي بالتّوفيق في هذا العام وسداد الخطى..

-          عندما زار أمريكا أحضر لي ساعة يد هديّة لا تزال عندي أفتخر بها..

-          ماذا عساي أن أكتب عنه أكثر، ما زال فضله حاضرا في ذهني لا أنساه أبدا، و كلما جاء عيد المعلم أو مررت قرب مكان عمله أو ذكره أحد أقرأ له الفاتحة و أدعو له بالرحمة... رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنّي خير الجزاء، وجعل عملي وعلمي في ميزان حسناته.. اللهمّ آميين..

 



الله يجزيه عني خير الجزاء
ويعوضه الجنة بأعلى مراتبها

 

وفاء

 

wafadoro@gmail.com


 

 

عودة للمواضيع