مقابلة مع وفاء...

 

رابط صفحة مراجعات وفاء للكتب على الفيس بوك

--

في إحصائيّـة أُجريت لتحديدِ نِسبة القُـرّاء في الجامعة السّـوريّـة...
تبيّـنَ أنّ 61% يقرؤون باليوم أقـلّ من ساعتين- أي ما يجب أن يقرأه طالب الصّـف السّـابع. أي 61% يلعبون والجادّون فقط هم 2% فقط.
وأعتقد أنّ شخصيّـة هذا العدد من مجلّـتنا هي واحدة من 2% من القُـرّاء الجادّين، فلا تكاد تقع العين عليها إلاّ وفي يدها كتابٌ يرافقها أينما ذهَبت وحيثما حلّـت ...وفي أيّ وقت.....
إذا تحـدّثت تحـدّثت عن كتاب، وإذا سألتها عن أيّ موضوع ذكرتْ لكِ كتباً قرأتها حوله.
هي كالنّـحلة التي تنتقل بين الأزاهير تمتـصّ الـرّحيق وتصنع منه عسلاً يُغـذّي الـرّوح والعقل.
لعلّـكِ عرفتِها فهي قرينة الكتاب، لا بل هي موسوعة كُتب وثقافة ومعلومات. وعلى الـرّغم من تواضعها وعدم رغبتها في إجراء هذا اللّـقاء في بداية الأمر، إلاّ أنّـي كنتُ مُصـرّة على معرفة المزيد عنها لأنّـها برأيي قدوة يجب علينا جميعاً أن نحتذي حذوها.....إنّـها الآنسة وفاء.
نُـرحّـب بكِ في مجلّـتنا "مِنبر الأصول"، ونودّ التّـعـرّف عليكِ أكثر.
* الاِسم: وفاء.
* المُـؤهّـلات العِلميّـة: إجازة في الشّـريعة.
* العمل: مُدرِّسة.
 

2- لا يُذكر اِسمك إلاّ ويتبادر إلى أذهانِنا جميعاً الكتاب والقراءة. فما أهمّـيّـة القراءة في رأيكِ، وهل يُمكن للجميع أن يقرأ مهما كان عُمُـره، شهادته، وضعه الاِجتماعي؟
* للقراءة أهميّـة كبرى فهي تفتح الآفاق وتُوسّـع المدارك وتُنمّـي الثّـقافة وتجعل الإنسان يرى الـدّنيا بمنظار آخر أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال أو الأوهام. وهي حاجة فطريّـة لا يمكن الاِستغناء عنها. باختصار تجعل من الإنسان شخصاً آخر تُدخِله عالَماً جميلاً متجدّداً كُـلّ يَوم.
أمّـا بالنسبة للعمر أو الوضع الاِجتماعي فلا أعتقد أنَّ أيّـاً منهما يمكن أن يُعَـدّ عائقاً للشخص أمام القراءة، فكما نعلم جميعاً قد أمرنا رسولنا عليه الصّـلاة والسّـلام بطلب العلم من المهد إلى اللّـحد، والقراءة هي أهم وأوّل وسيلة من وسائل العلم، فهل من المعقول أن يأمرنا الـرّسول عليه الصّـلاة والسّـلام بشيء يستحيل تطبيقه أو يصعب .


 

3- برأيكِ هل يعتبر حُـبّ القراءة المحفّزعلى القراءة، أم على الإنسان أن يقرأ حتّـى لو لم تكن لديه هذه الهواية؟
* في البداية أقول إنّ القراءة تُـعطي الإنسان مساحة حياتيّـة أوسع وأعمق من حياته الـزّمنيّـة المعدودة –كمايقول العقّـاد- لذلك إنّ حبّ الحياة يفرض حبّ القراءة لمن كان له عقل سليم.

 
فلا يمكن أن لا يكون للإنسان ميل نحو القراءة وهذا برأيي عائد للتّـربية والمُحيط الاِجتماعي الذي نشأ فيه. إذ أنّ حب المعرفة والاِستطلاع هي حاجة فطريّـة لدى الإنسان، ولكن هذه الحاجة إمّـا أن يتم وأدها في منبتها أو يتـمّ تنميتها فتعطي الخير الكثير. فعلى الإنسان أن يُجاهد نفسه في البداية، وبالتالي سيفتح الله له الآفاق بعدها.


ولكن عندي هنا مُلاحظة على كلمة هواية إذ أنَّ القراءة ضرورة وليست هواية، فلا يُمكن بأيّ حال من الأحوال اِعتبارها هواية. لأنَّ كلمة هواية تعني في مدلولها أنّـها قِسمة من الله تعالى لا يشترك فيها كلّ النّـاس، وأنها ليست من الأهمّـيّـة بمكان، فالهواية يُمارسها الإنسان وِفقاً لظروفه وأوقات فراغه أو اِنشغاله. بينما تعتبر القراءة حاجّـة يوميّـة كالطّـعام والشّـراب, بل أعتقد أنّـها أهم.
إذ أنّ الطّـعام يُنمّـي جسدك الفاني والقراءة تُـنمّـي روحك وأفكارك التي يمكن أن تبقى بعد مماتك أجيالاً.


4- ما هي الطّـريقة لتنمية حُـبّ القراءة عند الإنسان؟.
* على الإنسان أن يبدأ بقراءة الكتب البسيطة الأفكار التي تستهويه حتى ولو لم تكن على جانبٍ كبير من الأهمّـيّـة، كقراءة الرّوايات والقصص والألغاز ومن ثمّ سيرقى الأمر معه شيئاً فشيئاً فيقرأ كتباً تروق له ويمكن أن يكون لها في البداية منحىً مُعيّـن حسب اِختصاصه وميله، و أخيراً لا بُـدّ أن يتطوّر معه الأمر لاحقاً فيبدأ بقراءة كل ما يكون له الأثر في تنمية ثقافته العامّـة حتى وإن لم يكن ما يقرأه من اِختصاصه. لأنّ العالم الذي نعيش فيه الآن يتطلّب منّـا –كوننا مسلمين نحمل رسالة- أن نكون على دراية بما يدور حولنا ونكون على اِطّـلاعٍ شبه تامٍّ على آخر مستجدات العصر. وذلك يُيسّـر علينا التّـواصل مع الآخر بشكلِ أفضل.


 

5- كيف تختارينَ نوعيّـة الكتب التي تقرأينها؟ وكيف بدأتِ تميّـزين بين الغـثِّ والسّـمين؟.
* يتـمّ ذلك وِفق معطياتٍ عديدة:


* وِفق المواضيع التي تستهويني.
* أحياناً أقومُ بقراءة كتاب بعد أن أسمع أو أقرأ عنه من أشخاص كانوا قد قرؤوه وقـدّموا تقريراً جيّـداً عنه، فيدفعني حُـبّ الاِستطلاع أن أقرأه وأحكم عليه بنفسي.
* إذا قرأتُ كتاباً لمؤلّفٍ ما وأعجبتني أفكاره أكون حريصة غالباً أن أقرأ أعمالاً أُخرى له. أو إذا كان المؤلّـف معروفاً بأفكاره السّـليمة وأُطروحاته الجديدة المفيدة فأحرص أيضاً أن أقتني جميع أعمالِه وأقرأها.
* أثناء قراءتي لكتابٍ ما أُدقّـق بالمراجع و المصادر التي عاد إليها المؤلّـف فإن أعجبني أيّـاً منها أبذل وِسعي لأحصل على هذا المرجع.
* أحياناً وِفقاً للموضوعات التي أجهلها، فإذا ذُكِرت أمامي معلومة ما ووجدتُّ نفسي أجهلها كُلّـيّـاً أكون حريصة على محو أمّـيّـتي فيها والاِطّـلاع عليها ولو بشكلٍ مُختصر.
ووووووو فالأمر لا نهاية له وباب القراءة واسع جدّاً لا يكاد ينتهي ولكنّـه جميلٌ للغاية، ولا يعرف ذلك إلاّ مَنْ ذاقه.
ولكن أودّ أن ألفت النّـظر إلى أمرٍ. وهو أنّ الإنسان قد يقع في مَشكلٍ آخر وهو تفاوت الكتب فيما بينها حتّـى ولو كانت للمؤلّـف نفسه. أو أحياناً يكون عنوان الكتاب أكبر من حقيقته.  
ولكن لا ضير في ذلك فكُلّـه يُفيد.
سأل أحدهم الأستاذ العقّـاد يوماً: ماذا تقرأ الآن يا أستاذنا ؟ فأجاب العقّاد: أقرأ كتاباً عن بريجيت باردو (ممثلة فرنسية كانت مشهورة في السّـتّيـنيات)! .. فردَّ صالح جودت مُـندهشاً: الأُستاذ العقّـاد يقرأ عن بريجيت باردو ؟!!.

فقال العقّـاد: نعم .. فليس هناك كتاب أقرؤه ولا أستفيد منه شيئاً جديداً، فحتّى الكتاب التّـافه أستفيد من قراءته، أنّـي تعلّـمتُ شيئاً جديداً هو ما هي التّـفاهة؟ وكيف يكتب الكُتّـاب التّـافهون ؟ وفيم يُفكرون ؟ .
أمّـا بالنّـسبة لكيفيّـة التّـمييز بين الغـثّ والسّـمين فكثرة القراءة هي التي تُـنمّي ذلك، فبمجـرّد الاِطّـلاع على فهرس الكتاب والموجز عنه يتبيّـن إن كان جديراً بالقراءة أم لا.


 

6- ما هو الكتاب الذي شـدّكِ أكثر من غيره حتّـى أعدتِّ قراءته عِـدّة مـرّات؟.
* كثيرة هي الكتب التي استهوتني جداً، ولا يمكن أن أُحـدّد كتاباً مُعيّـناً، وذلك لأن مجالاتها مختلفة، فكلٌّ منها رائعٌ في تخصّـصه.
ولكن سأذكر بعض العناوين للفائدة:
• واإسلاماه. لـ/علي أحمد باكثير/.
• تركيّـا مَيدان الصّـراع بين الشّـرق والغرب. لـ/د.محمد طه الجاسر/.
• تاريخ القراءة. لـ/ألبرتو مانغويل/.
• الخيميائي. لـ/باولو كويلهو/.
• هكذا ظهر جيل صلاح الـدّين.
• أوليفر تويست. لـ/تشارلز ديكنز/.
وغيرها الكثير.  
أمّـا بالنّـسبة للكتاب الذي أعدتُّ قراءته، تمنيت كثيراً إعادة قراءة عِـدّة كتب ولكن للأسف لا وقت لتكرار ما قرأت، لأنّ قائمة الكتب التي تنتظرمنّـي القراءة طويلة، فإذا انتهت هذه القائمة يمكن أن أُكـرّر قراءة بعض الكتب، وذلك وفقاً للمقولة: " أن تقرأ كتاباً عشر مرّات خيرٌ من أن تقرأ عشرة كتب". وأعتقد أنّ التّـجربة ستكون أكثر فائدة لأنّـي سأعاود قراءة الكتاب بفكر مختلف عن الذي قرأتُـه به أوّل مـرّة. ولكنْ للأسف العمر قصير ويمر سريعاً وكما ذكر أحد عشّـاق القراءة: " لا أعرف مدى قِصر عُمري إلاّ عندما أقف أمام مكتبتي".


 

7- ما رأيكِ بطالبات الشّـرعيّـة- وأنت تعملين بالتّـدريس- من حيث: / بناؤهِـنّ الفكري- طموحهـنّ- شخصيّـتهـنّ بشكلٍ عام/؟.
* أوّلاً أشكرلهنّ اختيارهِـنّ هذه المدرسة والـدّراسة فيها، على الـرّغم من كثرة المواد، كما يشتكينَ دائماً ويتذمّـرن. ولكن لا ضير فهذه هي الفترة الـذهبيّـة للـدّراسة والتّـحصيل العلمي، ومهما أخذت الـدّراسة من وقتهـنّ يبقى ذلك أفضل من إضاعة الوقت فيما لا يفيد.


أمّـا بالنّـسبة لبنائِهنّ الفكري: لا شكّ أنّ لديهنّ المقدرة الفكريّـة العاليـة للتّـحصيل والتّـفـوّق، وإلاّ لما كُنّ استطعنّ اِجتياز هذه السّـنوات والتّـفـوّق فيها.
ولكِـنْ، المشكلة تكمن في ضيق أُفقِهـنّ –في بعض الأحيان- ولا ألومهنّ وذلك لعدم وجود من يُرشدهُـنّ ويوجّـههنّ ، و مع ذلك فلديهنّ القابليّـة والاِستعداد الإيجابي للتّـغيير. وأقصد بضيق الأفق عدم وجود روح المُبادرة والمتابعة والبحث، والتّـوهّـم من تعلّـم الجديد على الـرّغم من وجود طاقات متعـدّدة كامنة لديهـنّ تحتاج من يوقظها.
بالنّـسبة للشّـخصية فكـلّ طالبة تملك شخصيّـة جـذّابة فـذّة تحتاج اِستغلالها في المواقف المناسِبة، وبذلك يُمثّـلن الفتاة المُـسلمة المُـثـقّـفة على أحسن وجه. ولكن عدم وجود روح المُـبادرة هو أكبر عائقٍ. وأنا على يقين أنّـه متى أحيَيْنَ في أنفسهِـنّ روح المبادرة سيحظين أوّلاً بتوفيق الله تعالى وثانياً سيُفتح لهُـنّ .
أمّـا ما ينقصهـنّ هو: أوّلاً: عدم وجود هدف واضح مُعيّـن لديهِـنّ .
ثانياً: عدم اِستغلال الوقت بالشّـكل الأنسب..
فلا أعتقد أصلاً أنّـه يمكن وجود شخص لا يريد أن يرقى بنفسه نحو الأعلى، ولكن عدم وجود روح المُـبادرة هـو أكبر عـائق. وأنـا على يقيـن أنّـه متـى أحْيَـيْـنَ في أنفسـهـنّ روح المُـبـادرة سيـحظـيـنَ أولاً بتـوفـيق الله تعـالى، وثـانيـاً سيُـفـتح لـهنّ بـوّابات الخير والعطاء منه سبحانه ، وذلك مصداقاً لقوله تعالى:" كُـلاً نُـمـدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّـك وما كان عطاء ربّـك محظوراً". أي اِعمل حتّـى يُمـدّك الله بمدده وعطائه. فالله يريد منا أن نخطو الخطوة الأولى وهو وحده سيُعيننا على الباقي. " وإذا تقـرّب منـّي ذراعاً تقـرّبتُ منه باعاً......" ولا أعتقد أنّ معنى الحديث هُـنا مُـقتصر على العبادة فقط، من صلاة وصيام وووو.. وعلى فَرَض ذلك فلا شكّ انّ العلم عبادة وإعمار الكون عبادة ونفع الآخرين عبادة .....


8- هل يقع برأيك جزءٌ من المسؤوليّـة على المُـدرّسات؟.
* لا شـكّ في ذلك فالمَدْرسة هي المحور الثّـاني تماماً بعد الأهل والبيت الذي يتلقّـى منه الفرد. وأحياناً يكون تأثير المُـدرّسة أكبر من تأثير الأمّ نفسها. ربّـما وِفقاً للمقولة " مِزمارُ الحـيّ لا يُطرِب". وكثيراً ما سمعنا عن مُـدرّسات كان لهـنّ الأثر الكبير في تغيير مسار حياةِ أُناسٍ كثيرين نحو الأفضل.


لذا أتمنّى من جميعِ المُـدرّسات المُـساهمة في بناءِ مجتمعٍ قارئ، تبدأ نواته هُـنا من مدرستنا ومن ثـمّ يعـمّ خيره الجميع. وِفقاً لمبدأ المُتتاليّـة الهندسيّـة بأنّـه لو قامت طالبة واحدة بتمرير هذه العادة لواحد من أفراد أسرتها ومن ثمّ قام بدوره بتمريرها لاِثنين فقط وهكذا...... لوجدنا بعد مرور بضعة أعوام مجتمعاً قارِئاً مُفعماً بالحياة ، مُـدركاً هدفه ودوره . وعندها سيبدأ التّـغيير نحو الأفضل بإذن الله تعالى.
 

9- ما هي نوعيّـة الكُـتب التي تنصحين بها طالباتنا في الوقت الحاضر؟
* أوّلاً أرى أنّ عليهِـنّ أن يُتابعن في مجالِ تخصّـصهـنّ ولا يكتفين بكتاب المَدرسة، لأنّـه لا يكفي وحده، وخاصّـة أنّـهـنّ يدرسن فقط من أجل النّـجاح واِجتياز الاِختبار على خير وسلامة، ولو بالحدود الـدّنيا من الـدّرجات.
* ثانياً أنصحهُـنّ بقراءة الكُتب التي تُبصّـر بالواقع الـذي نحياه وما يدور حولنا، وتعطي رؤية شاملة عن الآخر على مبدأ "اِعرف عدوّك"، وهذا ما يُسهّـل عملية التّـواصل مع الآخر وبذلك نستطيع توصيل الفكر الصحيح عنّـا وعن ديننا, ولكن طالما أنّ هذا الآخر يملك هذه النّـظرة المشـوّهة عنّـا فلا يمكن بأي حال إيجاد تواصل إيجابي معه. خاصّـة أنّـنا نواجه تشويهاً عنيفاً مُتعمّداً عن ديننا وتُراثنا وتاريخنا بل وحتّـى كياننا، وإن لم نكن بقدر هذه المواجهة فإنّـنا سنخسر لا محالة. وأكبر سلاح يمكن الاِعتماد عليه هو الثّـقافة والفكر السّـليم والعلم.
وقيل: "كلّما أغلقنا كتاباً سددنا النوافذ و تركنا عالَـماً بكامله يموت اختناقاً".
والأمم الغربية لا تنفكّ عن القراءة تحت أي ظرف، يقول مؤلّـف كتاب "اُمّـة إقرأ لا تقرأ": لقد أعجبني ما رأيتُـه في إحدى المجلاّت حيث نَـشرت صورة التُـقطت لشاب يبيع التّـذاكر أمام أحد المسارح في لندن.. وفي يده كتاب يقرأ فيه بين الفينة والأخرى.. الغرب يفعل ويطبق.. ونحن نقول: وخير جليس في الزمان كتاب.  


 

10- متى بدأ حُبّـك للكِتاب، وكيف جعلته قرينك الذي لا يُفارقك؟
* بدأ حُبّـي للكتاب بشكل مبدئي عندما كُنتُ طالبة في السّـنة الثّـالثة في الكُلّـيّة. ولكنّـني ولله الحمد قمتُ- بدافع حـبّ الفضول عندي- بمتابعة هذه الشّـعلة التي لمع بريقها ولم أُخمدها في مهدها. ومنذ ذلك الوقت لا أزال أُتابع القراءة والاِطّـلاع والبحث عن كـلّ ما هو جديد، بل وأحياناً عن القديم أيضاً. لأنّـه وكما نعلم ففي مكتبتنا العربيّـة وتُراثنا الكثير من الكتب التي لا غنى لأي إنسانٍ عنها، ويجدر به قراءتها.


أمّـا عن سؤالك كيف جعلتُ الكتاب قريني الذي لا يُفارقني:
فأوّلاً: كما ذكرتُ سالفاً أنّ العمر قصير ويجب اِغتنام كلّ لحظة تمرّ بنا، لذا وجدتّ أنّ خير وسيلة لاِغتنام الوقت هي القراءة، خاصّـة في الأوقات المُستقطعة كالاِنتظار عند الطّـبيب، أو طريق الـذّهاب والعودة للمنزل وو.......
ثانياً: قناعتي التّـامّة بفائدة الكتاب والقراءة ، فنشأ بيني وبين الكتاب علاقة حميمة أصبحتُ لا أستطيع العيش من دونه.


وكما قيل: " لِمُجرّدِ أن تنظر في كتاب، ستسمع صوتاً لشخصٍ آخر، ربّـما مات منذ 1000 سنة. أن تقرأ يعني أن تُبحر في الـزّمن".
 

10- ذكرتِ لنا دراستك للشّـريعة باللّـغة الاِنكليزيّـة. فما أهمّـيّـة اللّـغة الاِنكليزيّـة في نظرك في حياة الإنسان بشكلٍ عام، وللمسلِم بشكلٍ خاص.
* لم يَـعُـد خافياً على أحد أنّ اللّـغة الاِنكليزيّـة أضحت الآن اللّـغة العالميّـة. لذا أضحى واجباً على المُـسلم أن يتعلّـمها ويُلِـمّ بها، وهذا من واجبات الـدّعوة إلى الله تعالى، إذ كيف سيتسنّـى لنا أن ننشر ديننا وندعو إليه هؤلاء الغربيّـين- الذين هم الآن بأمسّ الحاجة للتّـعرف على الفكر الصّـحيح السّـليم عن الإسلام بعد أن تـمّ تشويهه من قِبل وسائل الإعلام و......- أقول كيف سيتسنّـى لنا نشر هذا الـدّين والتّـعريف به ونحن نجهل الواسطة التي من الممكن أن تجمع بيننا ألا وهي اللّـغة التي هي سبيل التّـواصل والحِوار. فحتّـى الأشخاص الذين لا تُـعـدّ اللّـغة الاِنكليزيّـة لغتهم الأم تراهم يتقنون اللّـغة الاِنكليزيّـة أو يلمّـون بها..
وسبب آخر لوجوب تعلّـم اللّـغة الأجنبيّـة هو تطبيق مقولة "من تعلّـم لُغةَ قومٍ أمِنَ مكرهم". ونحن نرى أنّ الكثير من المُستشرقين قد تعلّـم اللّـغة العربيّـة، لا بل أتقنها ليَدرُس الإسلام بلغته الأم لا لشيء إلا ليزيد من كيده للإسلام ، وليعرف من أين تُـُؤكل الكتف.

 
وكم يؤلمني أن أرى أمثال هؤلاء يُـتقنون عِـدّة لغات وقليلٌ من أبناء المسلمين من فكّـر أن يتعلّـم لغة ثانية أويجيدها، ليقرأ كتبهم بلغتهم وخاصّـة أنّ هناك الكثير من الكتب لا يتـمّ ترجمتها للّـغة العربيّـة، أو إذا تُرجمت لا تكون بالمستوى اللّـغوي المطلوب. وإذا ألقينا نظرة على الكُتب المُترجمة فغالباً ما تكون روايات وقصص تحكي واقعهم ومجتمعهم وبعيدة كـلّ البُـعد عن واقعنا ومجتمعنا وديننا. ومع ذلك نرى لها الـرّواج الكبير فيما بين الشّـباب. وبالتّالي لا يُمكن أن يُنكر تأثيرها السّـلبي ، فالـرّواية تأخذ القارئ من عالَمه الحاضر إلى عالَم الـرّواية التي يقرؤها، و شيئاً فشيئاً سيتكـوّن في ذهنه صورة خياليّـة حالمة عن مجتمع وحياة ومبادئ لا تمـتّ له بصلة، وليس بينه وبينها أيّ رابط، وأخيراً سينسلخ عن مجتمعه الذي يعيش فيه، وهذا أسوأ ما في الأمر.


لذا أُناشد طالبات المدرسة الشّـرعيّـة بإتقان اللّـغة الاِنكليزيّـة، ومن ثـمّ محاولة تعلّـم أخرى، إذ هُـنّ أولى النّـاس بذلك كونهُـنّ يحمِلن العِلم الشّـرعي، فيكُـنّ بذلك المثال الحي للمُـسلم الحق الذي وعى دوره في الحياة.
وقد سمعتُ مـرّة من أحد القُـرّاء الحافظين في دمشق " أنّ تعلم اللغة الإنكليزية كونها لغة عالميّـة أصبح فرضاً كتعلّـم القرآن".
فطالباتنا لا شـكّ أنّـهُنّ قد أتقـنّ القرآن تجويداً وحفظاً –هذا أملي بهنّ- فليلتـفتن الآن إلى إتقان اللّـغة.
 

11- نحنُ نعلَمُ أنّـك درست البرمجة اللّـغويّـة العصبيّـة، وأنا شخصيّـاً أرى أنّـكِ مُبَرْمجة عصبيّـاً، أي أنّـك نموذجٌ حـيٌّ لهذا العِلم. فهل لكِ أن تُعطينا فكرةً عن معنى البرمجة اللّـغويّـة، وهل هي قابلة للتّـطبيق وتخلق فِعلاً الشّـخصيّـة السّـويّـة؟.

أبسط تعريف مُمكِن أن تُـعـرّف به البرمجة اللّـغويّـة بأنّـها برمجة الـدّماغ عن طريق اللّـغة، أو هي فـنّ التّـغيـيرو التّـأثـير .
ولكن لي مُلاحظة بسيطة عن هذا الفن، فقد أُعطي أكبر من حجمه سواءً سلبيّـاً أم إيجابيّـاً، فنرى الكثير من النّـاس قد فُـتِن به واعتبره مثل العصا السّـحريّـة التي تُحقّـق للإنسان ما يريد، بمجـرّد تفـوّه بعض المفردات والعبارات.


والبعض الآخر نزل به إلى الحضيض وادّعى أنّـه يؤدّي إلى الكُفر، واتّـهم أصحابه وكل من درَسه بالتّـفاهة والجنون وووو.
الحقيقة هي لا هذا ولا ذاك، ويجب على الإنسان أوّلاً أن لا يحكم على شيء ما لم يكُن على علمٍ به، أو أخذه من أصحابه الموثوقين، لا من تعليقات النّـاس.
البرمجة كأيّ مجال من مجالات المعرفة لها سلبيّـاتها ولها إيجابيّـاتها، ويستطيع الإنسان أن ينتقي منها ما يُفيده ويُلقي بعرض الحائط ما يُنافي دينه ومعتقداته ومبادئِه، وكما ورد في الحديث الشّـريف: "الحكمة ضالّـة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها" . والمقولة التي تقول: "خُذِ الحِكمة لا يضـرّك من أيّ وعاءٍ خرجَتْ".
فمثلاً نجد في ما يُسمّـى بفرضيّـات عِلم البرمجة أو لغة ميلتون أو نوعيّـات الشّـخصيّـة، الكثير مِمّـا قد يُستفاد منه، وفي المُـقابل هناك الكثير ممّـا لا يقبله عقل وهو أقرب إلى الخِيال. فما الضّـير إذاً في أن آخذ ما يفيدني ويتماشى مع مبادئي وديني وأُلقي جانباً ما يُنافي ذلك!.
بالنّـسبة لي لا أُنكِر أنّـي قد اِستفـدتّ كثيراً ممّـا تعلّـمته من هذا العلم- أو بالأصـحّ هذا الفـنّ- وتغيّـرت أمور كثيرة سلبيّـة كنت أُعاني منها، ولكن لا يعني هذا أبداً أنّ التغيّـر قد جرى من البرمجة فقط ، ولكن أموراً كثيرة متشابكة منها البرمجة ومنها القراءة ومنها ظروف الحياة الصّـعبة التي قد تمـرّ بالإنسان بين الفَينةِ والأُخرى ، كـلّ ذلك يُـبرمِج الإنسان كـلّ يوم ويصقله ويُنمّـي جانباً مُعيّـناً من شخصيّـته وأفكاره وثقافته وسلوكِهِ وو......


 

12- في خِضم الأحداث التي يشهدها عصرنا... حروب، هجوم على الإسلام، اِنفجار معلومات واِنترنت، ضياع الهدف، وملل ويأس وإحباط عام.
ما هو موقع الجيل الآن بين كـلّ ذلك، وكيف يُمكن له أن يكون فاعلاً، متوازناً ويؤدّي دوره الصّـحيح في الحياة؟.

الجيل هو الأمل في خِضـمّ هذه الظّـروف، ولكن الجيل الواعي فقط، وليس أيّ جيل.


يكون فاعلاً بتحديد هدفه أوّلاً وبُعده عن التُّـرّهات وما لا ينفع، واِغتنام الوقت، والتّـسلّح بالثّـقافة الهادفة المُـرشّـدة والمُرشِدة. وإخلاص النّـيّـة لله تعالى في كلّ الأمور والـرّجوع إلى هدي النّـبي عليه الصّـلاة والسّـلام وتطبيق سُنّـته في جميع نواحي الحياة البسيطة منها والـدّقيقة قبل الكبيرة.


13- أخيـراً… ماهي نصيحتُـك لطالِـباتنا..أملَ المُـستقبل.


أقول لهُـنّ: قرؤوا فَـوصَلوا، لنقرأ كي نَصِلْ.
" وأعْـجَبُ كثيراً مِمّـن لا يقرؤون أبداً كيف ساغ لهم عيشُـهم، وكيف طابت لهمُ الحياة".


 

 

wafadoro@gmail.com

 

 

عودة للمواضيع