الرئيسية >> كتب بنكهات متنوعة... >>  نساء الخلفاء الأمويين

 

 

نساء الخلفاء الأمويين

 

 

 

 

كتاب (نساء الخلفاء الأمويين) للباحثة التونسية بثينة بن حسين يتحدث عن هذه النسوة و حياتهن و نشاطاتهن و دورهن، و منهن تستشف المؤلفة مكانة المرأة في تلك الفترة بشكل عام، فقد كانت المرأة حاضرة بقوة في كل منحى من مناحي الحياة و لها دور في كل شيء و صوتها واضح و مسموع، و لم تغيبها الأخبار كما حصل في الفترة العباسية فيما بعد على حساب قصص الجواري...
لا بأس بالكتاب إلا أنه لم يقدم لي شيئا جديدا في تحليلاته، كما أنها لا تخلو من ضعف و ركاكة، و كأن الكتاب موجز للفكرة، و ربما يناسب من لا فكرة له نهائيا عن الموضوع، فهو ليس بحثا متقدما... و بالنسبة لي فإن كل باحث في التاريخ لا يدرس الروايات و يقارن بينها، و لا يدرس الظروف المحيطة بالمؤرخ و علاقته بالفترة المؤرخ لها، و لا يحاول الانتباه بين ما يمكن أن يكون عادة أو حدثا شاذا في عصر ما، و يضع هذا كله في عين الاعتبار، و إنما يكتفي بذكر القصص من بطون الكتب و الاستنتاج منها هكذا، فإني أعتبر عمله ضعيفا، فما يختلف بهذا عن قارئ عادي يقرأ في مصادر التاريخ؟ فعلى سبيل المثال تأخذ الباحثة حادثة رواها الجاحظ عن معاوية رضي الله عنه بفعل ماجن لتبني عليها دليلا على اتخاذ عادة مشينة أمام الملأ، مع أن الجاحظ خصـْم لمن يروي عنه، والحادثة يصعب تصديق حصولها على ملأ ذاك العصر من دون نكارة، و هي قصة أقرب لروح العصر العباسي! و في مكان آخر تتحدث عن رواية أخرى على هذه الشاكلة عن خليفة أموي آخر، و تتسآل هل هي حقيقية يا ترى أو أن خصومه من اختلقوها؟ و ما أستفيد أنا القارئة من تساؤلها بصوت عال إن لم تحاول دراسة الرواية لتخبرنا بما فعلته حين خطرت لها الفكرة هذه، أليس هذا هو البحث التاريخي؟ أما مجرد كلام عام، فهذا أي شخص يمكن أن يفكر به و يقوله...
كما أني لم أستشعر بتحليلاتها بروح العصر، لأنها تستنبط بطريقة غريبة تعزلك عن مناخ المجتمع القبلي... مثلا حديثها عن عادة إرسال أولاد الخلفاء الأمويين أولادهم للبادية تقول:
"وذلك حتى يتسنى لهم أن يكتسبوا صحة جيدة في البادية التي تمنحهم أيضا البعد العربي من حيث التكوين اللغوي والثقافي (أي إتقان اللغة العربية كعنصر أساسي من عناصر الإيديولوجيا الأموية)" ص100... هل صار إتقان اللغة العربية لدى العرب عنصرا إيديولجيا أمويا!
فضلا عن المبالغة في الاستنتاجات، لأنها تريد الوصول للفكرة حتى لو لم تدل عليها القصة! فأقرأ القصة مثلما قرأتها و أستغرب كيف وصلت للنتيجة التي ذكرتها! على سبيل المثال لا الحصر حين دخلت عزة كثيّر على أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز فسألتها عن سبب قول كثير:
قضى كل ذي دين علمت غريمه
و عزة ممطول معنـّىً غريمها
فأجابت بأنها وعدته قبلة، فتحرجت منها. فطلبت أم البنين أن تحقق أمنية الشاعر و على أم البنين إثمها. ثم ندمت أم البنين على مقالتها هذه فكفّرت عن ذنبها بإعتاق سبعين رقبة.
تعلق المؤرخة على هذه الحادثة:
"تبدو أم البنين شديدة الانفتاح رغم أنها محدّثة! فقد شجعت عزة على تقبيل كثيّر وبالتالي على تخطي إطار الحب العذري إلى الحب الإباحي."
ما هذا الاستنتاج المبهر!


للأسف أني لم أجد لفتات ذكية في الكتاب، و لسوء حظه أني قرأته بعد كتاب ثقافة الترفيه في دمشق العثمانية و هو دراسة قوية، فوضح الفرق بين مستوى الدراستين... كما لسوء حظه أني على اطلاع لا بأس به عن المرأة في هذه الفترة و لذلك كنت أرفع التوقعات حول هذا الكتاب لأن العنوان جديد، فخاب توقعي...


على كل فهذه الفترة، و هي فترة القرن الأول، هي فترة الصحابيات و التابعيات و تابعيات التابعيات، هي امتداد لصدر الإسلام و الفترة الراشدية، و هي الفترة الذهبية لحضور المرأة في التاريخ الإسلامي، لذلك تجد نفـَسها ما زال فيها... و قراءة أدبيات النساء و تراجمهن في هذه الفترة تعطي تصورا عنهن و عن وضعهن و عن الحياة بشكل عام...
أنهي الكلام بالحديث عن تحليلات أدق و أنسب لروح العصر لباحثة ليبية كتبتها منذ سبعينيات القرن الماضي، و هي عائدة الطيبي، محققة كتاب الحدائق الغناء في أخبار النساء لأبي الحسن المعافري المالقي و هو كتاب عن نساء الفترة الراشدية والأموية، و قد كنت قرأته قبل سنوات، و أعجبني كثيرا حينها متنا و تحقيقا... المقدمة التي كتبتها الطيبي مقدمة ثرية، أنقل منها بعض الجمل التي تلخص وضع المرأة في تلك الفترة:
" أبرز صفة للنساء المترجم لهن في هذا المخطوط أن الواحدة منهن كانت فخورة معتدة بنفسها إلى حد كبير [...] إن الحرية التي كانت تتمتع بها المرأة لم تكن مشوبة بالإباحية، و الحديث إذا تطرق إلى موضوع المرأة والحب وكان صريحا خاليا من الاستهتار والابتذال. فكانت هذه المواضيع تتبوأ مكانها الطبيعي في مضمار النشاط الإنساني. فلا يحذف منها شيء بدافع التحرج، و في الوقت ذاته لا يبالغ فيها رغبة في استثارة القراء. و بهذه الروح علينا أن ننظر إلى الأخبار التي تحتوي عبارات قد تعتبر في يومنا هذا نابية مستهجنة. [...] و خلاصة القول إن صورة المرأة التي تتجلى لنا من الحكايات المستقاة من التراجم المبكرة هي صورة امرأة صريحة جريئة تؤمن إيمانا عميقا بقيم مجتمعها الأخلاقية، امرأة تقبلت بصدر رحب تقاليد مجتمعها و امتثلت لها دون خداع أو نفاق. كانت هذه المرأة شديدة الاعتداد بنفسها، مستقلة في رأيها. متعصبة لأقاربها. وفية لزوجها. وكانت تتوقع شيئا من العدالة و حسن المعاملة فتأخذ قسطا من ذلك. و بما أنها لم تكن قد فصلت بعد عن عالم الرجل فإنها كانت شديدة الوعي بكل ما يجري حولها. فكانت تصرح بآرائها عن أمور المجتمع الهامة واثقة النفس سديدة الرأي. إن تدني وضع المرأة المسلمة _الذي يرجع إلى حد كبير إلى الأحوال الاجتماعية التي نتجت عن الفتوحات_ لم يكن بعد قد ترك أثره السيء على خلق المرأة أو على سلوكها. كان أثره تدريجيا بادئ الأمر، و الواقع أن التغير لا يكاد يلاحظ في التراجم المبكرة، إلا أنه أخذ يزداد مع مرور الزمن فأصبح واضحا جليا في التراجم المستقاة من العصر العباسي." من مقدمة كتاب الحدائق الغناء في أخبار النساء.


و عودة لكتاب نساء الخلفاء الأمويين، فأقول أني كنت أود لو يعجبني، سيما و أني قرأت مقالة لمؤلفته تتحدث عن ندرة المؤرخات النساء و الذين يؤرخون للنساء، و هذا أمر يعجبني، فلا بد أن المرأة حين تؤرخ ستنتبه لأمور أخرى لم ينتبه لها المؤرخ الرجل، و لكن بحثها وجدته ضعيفا للأسف، و لم يقدم لي شيئا، اللهم إلا الرغبة بقراءة بعض المصادر المذكورة، لأستنتج بنفسي.
أقيمه بـ نجمتين من خمس...

 


 

 

--

نساء الخلفاء الأمويين (قراءة جديدة)

لمؤلفته التونسية: بثينة بن حسين

منشورات الجمل، ط1، 2014



 

سلمى

27 تموز 2016

 

 

 

 

 

 

 

 

 

CopyRight & Designed By Salma Al-Helali